بعد «ملف المخاوف»... لماذا صمت نتنياهو وماذا يريد
صالح القلاب
خلافاً لما كان متوقعاً في البدايات، فإن الملاحظ أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد صمتَ صمت أهل القبور، بعدما أخذ «ملف المخاوف» الإسرائيلية أولاً إلى الولايات المتحدة إلى الرئيس دونالد ترمب تحديداً وثانياً إلى روسيا الاتحادية إلى فلاديمير بوتين،
فهل يا ترى أن الروس والأميركيين قد وعدوه «خيراً» بأنَّ هذا الوجود الإيراني كله، العسكري والسياسي والأمني، في سوريا ستتم إزالته، وأنه بعد الانتهاء من أولوية القضاء على «داعش» سيأتي دور الإيرانيين الذين هناك قناعة لدى الأميركيين بأنه لا استقرار في هذه المنطقة الشرق أوسطية كلها ما لم يتم إخراج هؤلاء، وبالقوة إذا لزمت الأمور ذلك، من كل المدن والأراضي السورية ومن العراق أيضاً وما لم يعُدْ حزب الله اللبناني إلى وضعه السابق قبل عام 2011.
لم يُكشف النقاب، حتى الآن، عمّا تضمنه الملف الذي حمله بنيامين نتنياهو أولاً إلى الولايات المتحدة، وثانياً إلى روسيا الاتحادية، لكن الواضح أن هناك أموراً في غاية الخطورة والأهمية هي التي جعلت رئيس الوزراء الإسرائيلي يصطحب معه هذا الملف «الغامض» إلى أكبر وأهم دولتين في العالم تهتمان كل هذا الاهتمام الزائد بكل هذا الذي جرى والذي لا يزال يجري في سوريا وفي الشرق الأوسط كله الذي ثبت، خلافاً لقناعات الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وإدارته البائسة بالفعل، أنه لا يزال منطقة مصالح حيوية إنْ بالنسبة لأميركا، وإن بالنسبة لروسيا وإن بالنسبة للغرب الأوروبي والصين والعالم كله.
لقد كان مستغرباً ومثيراً لألف سؤال وسؤال أنْ تصمت إسرائيل على كل هذا التدخل الإيراني العسكري في سوريا الذي استمر متنامياًّ منذ عام 2011 وإلى أن حمل بنيامين نتنياهو ملف مخاوفه، وذهب إلى واشنطن وسوشي في روسيا الاتحادية... لا بل إلى الآن وإذْ يسود اعتقاد أن الجواب عن كل هذه التساؤلات هو أولاً: أن الإسرائيليين تلقوا «تطمينات» روسية، من الرئيس فلاديمير بوتين تحديداً، بأن هذا التدخل الإيراني مسيطر عليه، وأنه سيكون مؤقتاً وثانياً: أنه في مصلحة الدولة الإسرائيلية، إنْ حاضراً أو مستقبلاً، أن تنشغل هذه المنطقة في اقتتالها وتذابحها الداخلي، وأن تحل إيران بالنسبة للعرب محل إسرائيل التي تحتل فلسطين ومعظم هضبة الجولان السورية.
وحقيقة وبغض النظر عن هذا كله، فإنَّ سكوت إسرائيل هذا، على تنامي التدخل الإيراني السافر في سوريا، وإلى أن وصل إلى ما وصل إليه وحيث باتت إيران تحتل هذه الدولة العربية احتلالاً كاملاً... لا بل احتلالاً استيطانياً وبكل معنى الاحتلال الاستيطاني، يعني أن الإسرائيليين يعرفون منذ انتصار ثورة الخميني في فبراير (شباط) عام 1979 أن الإيرانيين قد يرغون ويزبدون ويهددون ويتوعدون لكنهم لن يفعلوا شيئاً، لا بل وإنهم لم يترددوا ولم يخجلوا من أن يستعينوا بالأسلحة الإسرائيلية في عام 1999 ومن بينامين نتنياهو تحديداً عندما كان رئيساً للوزراء قبل هذه المرة، للاستمرار بمواجهة العراق وللمزيد من التدخل في الشؤون العربية الداخلية.
إن ما جعل الإسرائيليين يثقون بـ«التطمينات» الروسية بالنسبة لتنامي حجم الاحتلال العسكري الإيراني لسوريا، الذي بلغ حتى الآن زهاء خمسين تنظيماً طائفياً قوام أعدادها وفقاً للمعلومات المؤكدة أكثر من ستين ألفاً، وهذا غير قوات حزب الله اللبناني وحراس الثورة... وغير «المستشارين»!! العسكريين في جيش بشار الأسد، هو أن هذا الاحتلال الإيراني سيؤدي في النهاية إلى تصدع هذا البلد العربي، الذي بقي يشكل جبهة مواجهة للأطماع التمددية الإسرائيلية في هذه المنطقة العربية.
وهنا فإن ما بات واضحاً ومؤكداً هو أنَّ «سوريا المفيدة» التي كان تحدث عنها بشار الأسد، وحيث جاءت كل عمليات «التفريغ الديموغرافي» هذه لتثبت أن المقصود هو تقسيم هذا البلد العربي، وأنه لنْ يعد كما كان تركه الفرنسيون في عام 1946 وهذا هو ما يحصل الآن، مما يؤكد أن الملف الذي حمله بنيامين نتنياهو في زيارته إلى أميركا وروسيا لا يحتوي على «مخاوف» وفقط، بل وعلى مطالب واشتراطات ما دام أن هناك «تقسيماً» سيترتب عليه ظهور دول طائفية و«قومية» متعددة مكان هذه الدولة السورية التي لا يزال يُرفع فوق مؤسساتها شعار: أمة عربية واحدة... ذات رسالة خالدة.
كان بإمكان بنيامين نتنياهو، بدل حمل «ملف المخاوف» هذا والذهاب به إلى الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، ألا يكتفي بالغارات الجوية «التعرُّضية» على نقل الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله اللبناني، وأن يحرك قواته ولو حركة «تكتيكية» خارج هضبة الجولان المحتلة، فالإيرانيون ليسوا بهذه القوة التي تحدث عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي لكلٍّ من دونالد ترمب وفلاديمير بوتين، وحزب حسن نصر الله هو في حقيقة الأمر ضاحية بيروت الجنوبية التي تكفيها، وهذا لا نتمناه، بل نرفضه رفضاً قاطعاً ومطلقاً، بضع غارات بالقاصفات الاستراتيجية لتصبح على ما هي عليه الآن حلب ودرعا وحماه وحمص والرقة... وأيضاً على ما هي عليه الآن الغوطة الشرقية وداريا.
وهكذا، فإنه بإمكان الإسرائيليين إخراج الإيرانيين من سوريا دون الاستنجاد لا بالروس ولا بالأميركيين، ودون ملف «المخاوف الإسرائيلية» هو الذي حمله بنيامين نتنياهو أولاً إلى واشنطن وثانياً إلى منتجع «سوشي» في روسيا الاتحادية، ويقيناً أن مجرد التهديد بإرسال عدد من الصواريخ الباليستية الإسرائيلية إلى المنشآت النووية الإيرانية أو إلى طهران سيجعل الإيرانيين يعيدون النظر بحساباتهم السورية كلها، وبخاصة إذا ترافقت هذه التهديدات الإسرائيلية بتأييد أميركي وبصمت روسي.
وهنا تجب الإشارة إلى أن نتنياهو كان طلب من هذا الرئيس الأميركي عندما التقاه في البيت الأبيض بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة، والمؤكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد توجه بهذا الطلب إياه أيضاً إلى الرئيس الروسي خلال لقاءاته المتعددة معه، إنْ في إسرائيل وإن في روسيا الاتحادية.
إن المعروف أن هضبة الجولان ذات المكانة الاستراتيجية المهمة جداًّ قد «أسقطها» بلاغ عسكري سوري في حرب عام 1967 قبل سقوطها الفعلي في أيدي الإسرائيليين بيومين كان قد صدر عملياًّ عن حافظ الأسد، الذي كان وزيراً للدفاع، وحقيقة أنَّ هذا قد أثار تساؤلات كثيرة تمت «لفلفتها» لأن هذا الرجل بات يشكل بعد حركة فبراير 1966 القوة الرئيسية صاحبة القرار في سوريا.
في كل الأحوال إن أغلب الظن، لا بل المؤكد أنَّ إسرائيل، التي يبدو أنها غدت على قناعة راسخة بأن سوريا ذاهبة إلى «التقسيم»، قد لجأت إلى «ملف المخاوف» هذا لتلزم الروس والأميركيين، على الأقل، بالصمت على أي ضربة عسكرية تقوم بها ضد حزب الله وضد الوجود الإيراني على الأراضي السورية ولتجبرهم بعد ذلك تحت ضغط الأمر الواقع بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الهضبة السورية المحتلة، وهنا يجب الأخذ بعين الاعتبار ذلك الطلب الإسرائيلي قبل نحو ثلاثة أيام إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأن يضغط على حزب الله للتخلي عن تهديداته وعن استعدادته العسكرية... فهل يعقل هذا يا ترى؟!
التعليقات