&عبدالله العوضي

من يُجالس بوراشد يدرك حكمة راشد، رحمه الله، في عمق وعيه وغزارة إدراكه لمجريات الأمور. لقد حظينا هذا الصيف بما علّمت الحياة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، ويشاركنا في هذه الجامعة الشعبية مناهجها التي لا علاقة لها بالنظريات التي قد عفا عليها الدهر. فالسياسة التي أفسدت في العالم العربي الاقتصاد، الاجتماع، الثقافة، الإدارة والإعلام، وأضاعت أوقات الأمة هدراً بلا وزن ولا قيمة. في الوقت الذي حاجة العرب إلى الإدارة الناجحة في مشاريعها التنموية أكثر لإدارة تلك الحقول في الحياة العملية لدى الشعوب العربية.
نعود إلى حديث بوراشد بدقة حين يقول: «علمتني الحياة أن الخوض الكثير في السياسة في عالمنا العربي هي مضيعة للوقت، ومفسدة للأخلاق، ومهلكة للموارد..».
ألا نجد مصداقاً لهذه اللفتة من حكيم في زمن خالطت السياسة لقمة العيش لدى الإنسان العربي، وفي عصر قل فيه حكماء، الحاجة إليهم لا تقل أهميتها عن حاجة الفرد إلى الدواء والغذاء والهواء والأصدقاء، خاصة إذا أطبقت علينا أطواق الأعداء.


ألم يقل المغفور له الشيخ زايد، رحمه الله، عن أمثال بوراشد بأن الرجال لو كانوا يشترون بالمال لاشتريناهم، ولكنهم هم فوق المال لأنهم ُصناع التاريخ. ولم يبتعد بوراشد عن هذا المقام لحظة وهو القائل: «..من يريد خلق إنجاز لشعبه فالوطن هو الميدان، والتاريخ هو الشاهد، إما إنجازات عظيمة تتحدث عن نفسها أو خطب فارغة لا قيمة لكلماتها ولا صفحاتها».
يعيد بوراشد، بدرر حكمه، البوصلة الحقيقية إلى العالم العربي والقبلة إلى العالم الإسلامي، للإبحار في سفينة نوح التي أنقذت الأمة من الغرق وإن خلفت وراءها فلذات الأكباد.
يُشخّص قائدُنا- عبر مركبة الإنجازات- واقع العالم العربي، الذي مرّ خلال السبع سنوات الماضية عبر نفق «الربيع» المظلم، وما نجم عنه من سياسات غير رشيدة خلطت الحابل بالنابل.
ويستكمل بوراشد طريق الرشد في حديث القلب قوله، «لدينا فائض من السياسيين في العالم العربي، ولدينا نقص في الإداريين، أزمتنا أزمة إدارة وليست موارد، انظر للصين واليابان لا يملكان موارد طبيعية أين وصلا، وانظر لدول تملك النفط والغاز والماء والبشر، ولا تملك مصيرها التنموي، ولا تملك حتى توفير خدمات أساسية، كالطرق والكهرباء لشعوبها». هذا الفائض من السياسيين لم يمثلوا قيمة مضافة لمجتمعاتهم، بل حملاً إضافياً على ظهورهم المثقلة بأوزارهم التي قدموها لهم على أساس أنها أساس نهضتهم.


لقد تنكر بعض هؤلاء السياسيين لأبسط قواعد السياسة التي تلقوها في أرقى جامعات العالم المتقدم، عندما حلت بعالمهم الواقعي، وليس الافتراضي الأزمات تلو الأخرى، فالتفتوا يمنة ويسرة لعل حبلاً للنجاة ينجيهم من وهدة القاع الذي اصطدموا بقعره، فتحولت السياسة بأيديهم إلى أداة تحكم في رقاب الشعوب وأقدارها ومقدراتها.
فجاء بوراشد منطلقاً من تجارب أم الجامعات، وهي الحياة ذاتها ليُبصر هؤلاء بما أحدثوا في أمتهم من خرق عصي على الرتق إلا بهذا البلسم في قوله: «في عالمنا العربي السياسي هو من يدير الاقتصاد، ويدير التعليم، ويدير الإعلام، ويدير حتى الرياضة، وظيفة السياسي الحقيقية هي تسهيل حياة الاقتصادي والأكاديمي، ورجل الأعمال والإعلامي، وغيرهم.
وظيفة السياسي تسهيل حياة الشعوب، وحل الأزمات بدلاً من افتعالها، وبناء المنجزات بدلاً من هدمها». لقد صح عقلك يا أبا راشد، وصدح لسانك بالحكمة التي كادت أن تضل طريقها إلى العلن، بعد أن ظلت مكنونة في ثنايا روحك الوقادة وهمتك.
لقد أعدت إلينا حقيقة المقولة المأثورة التي كادت أن تندثر بفعل السياسيين السابق ذكرهم «الحكمة ضالة المؤمن أنّا وجدها يأخذها». لقد وجدتها في دفاتر التجارب في حياتك ولم تحتفظ بها لنفسك، فقد آثرت مصلحة الأمة فبحت بمكنون حكمة عقلك لعلها تستدرك الأمة في ما تواجهها من أزمات طحنت حكماءها بأيدي الفائض من سياسييها.

&

&