& عبدالله بشارة

&

حضرنا مساء أمس الحفل الشامل الذي أقامه الأمير سلطان بن سعد بن خالد آل سعود، سفير المملكة العربية السعودية في الكويت، بمناسبة الاحتفالات باليوم الوطني السعودي، وأسعدني الحضور المكثّف والعالي للمسؤولين في الكويت، وتواجد الجماهير التي جاءت مستذكرة المعاني السامية التي احتضنتهم في أصعب الظروف بعدما احتل «البعث» العراقي وقواته الكويت غدراً ولؤماً، فكانت التباشير تحمل الأمل بأن طريق العودة مضمون مع تأكيدات من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بأن الشيخ جابر هو أمير الكويت والمملكة، وأن مصيرهما واحد، (ننتصر معاً أو نخسر نحن الاثنان) ويشدّد الملك موجّها لي شخصياً الكلام بأن أبلغ الكويتيين المنتشرين في الرياض وخارجها بهذا القرار الحاسم الذي أضاء حياتهم بنور اليقين في التحرير.


كان الملك فهد بن عبدالعزيز دارساً وعارفاً ومطّلعاً على العلاقات بين البلدين وفاهماً لمعانيها، ففي تاريخ هذه العلاقات خزينة متنوعة في وقائعها، احتل الامام عبدالرحمن بن سعود ونجله عبدالعزيز مركزية العناية والاهتمام من الشيخ مبارك الصباح، وتحوّلت إلى علاقات حميمة مكّنت الضيف عبدالعزيز آل سعود من معرفة أهم ما شغل الشيخ مبارك المسكون بالوعي الأمني.
ومع تعاظم حبل المودة بين الشيخ وضيفه المتوثب وتكاثر الاتصالات مع بريطانيا، جاء التفاهم بين هذه الأطراف لصد الأطماع العثمانية، والتخلّص من نفوذ المساندين لها.
وبشجاعة نادرة وفكر عاقل وسيف فاعل، يتمكّن ابن سعود من استخلاص الرياض واعادتها إلى شرعيتها التاريخية، ويتسيّد نجد بالحكمة والحذر والتخطيط السليم، كل خطوة لها حساب من دون ارتجال أو تهور.
المهم أن الملك عبدالعزيز حمل معه مودة تاريخية لحكّام الكويت وأهلها، فكان معها ضد حملات «الاخوان» المتطرّفة، وكان داعماً، وظل وفيّاً لأحكام الصداقة، والاستعداد للتضحية.
وضع سلامة الكويت في صدر الاهتمام، متابعاً للمخاطر التي تزعجها، وقابلا بتبعات الأخوة..
في 1938، يسجل القنصل البريطاني في جدة واسمه ريدر بولارد- Sir Reader Bullard، بأن الملك عبدالعزيز استدعاه إلى الرياض ليبلغه أنه قلق من أحداث الكويت ويلفت نظر بريطانيا الى أنه لن يهدأ إذا ما تجاهلت بريطانيا ما يهدد أمن الكويت.
ويسجل التاريخ أن ولي العهد الأمير سعود بن عبدالعزيز جاء إلى الكويت بعد إعادة الهدوء، داعماً للشيخ أحمد الجابر حاكم الكويت.
كما يسجل السياسي المصري محمد حسين هيكل باشا، رئيس مجلس الشيوخ في مصر، أنه ترأس وفد مصر إلى اجتماعات الجامعة العربية الذي عُقد في بلودان عام 1946 لبحث قضية فلسطين، وكان الشيخ يوسف ياسين يمثل المملكة، فطلب الكلمة، وقرأ رسالة الملك عبدالعزيز يدعو المجتمعين للاحتكام إلى العقل وعدم اتخاذ قرار فيه استعجال وحماسة.
كانت تلك الرسالة تعبيراً وثيقاً عن استراتيجية الملك عبدالعزيز، لا يضع قدمه على تربة تنزلق به وتؤذيه.


تسيّدت الحميمية العلاقات مع الشيخ أحمد الجابر ثم الشيخ عبدالله السالم، وعندما جاءت تهديدات عبدالكريم قاسم رئيس وزراء العراق مطالباً بالكويت، تحرّك الملك سعود بإرسال ألف جندي بقيادة الفريق عبدالله العيسى بأوامر مشددة بالدفاع، فلم يكن الحضور العسكري سياسياً، وإنما رادعاً أمنياً، وتواصل شخصي من الملك سعود مع الرئيس المصري جمال عبدالناصر حول ضرورة دخول الكويت للجامعة العربية من دون تأخير، ولم يتوانَ الملك سعود في تواصل الضغط على الرئيس جمال عبدالناصر لكي لا تتسلل أصابع تطالب بحلول وسط أو تأخّر انضمام الكويت.
في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز، كان سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد يتردد على جدة والرياض في الستينات، وكنت بمعيته، أسجل حرص الملك فيصل على ترسيخ الاستقرار في الكويت مع اتزان في الرأي وحذر من الاندفاع، متأثرا بالمكونات الاستراتيجية التي ورثها عن والده الملك عبدالعزيز.
وقام مجلس التعاون عام 1981، بدفع ثنائي من سمو الشيخ جابر الأحمد صاحب الفكرة، ومن الملك خالد وولي عهده الأمير فهد بن عبدالعزيز، بإدراك تام لما يعنيه مجلس التعاون في تشييد لسور خليجي لمنع تسلل الاضطراب الاقليمي.
وكانت المسيرة الناجحة التي أمّنت الجهد الجماعي الخليجي تحرير الكويت.
وسار الملك عبدالله بن عبدالعزيز بنفس النهج مع إصرار على حيوية العمل الخليج الجماعي.
وللملك سلمان بن عبدالعزيز علاقات متنوعة في الكويت مع سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد؛ أبرزها ترابطه في الستينات، حين استقبله كضيف شخصي عندما كان وزيراً للخارجية، واتسعت من تلك الزيارة، علاقاته بأطياف المجتمع الكويتي، وكنت أرى كثيرين منهم في مجلس الأمير سلمان عندما كان أميراً لمنطقة الرياض.
ولا غرابة في حضور الحفل آلاف من المواطنين، كل منهم عاش تجربة حزم آل سعود في هزيمة صدام وتوابعه، وكل منهم واع لحصافة الدبلوماسية السعودية واستثمار جواهرها لمصلحة الأمن، والاستقرار في المنطقة.


نحن والمملكة نسير وفق حكم القدر الذي ربط بلدينا ليس بمتانة التاريخ فقط، وإنما بحقائق الهمة الملكية والشعبية التي ربطت أمن الكويت بالأمن السعودي.
أحكام الجغرافية الكويتية رسمت المملكة وساحتها عمقاً استراتيجياً أمنياً للكويت، فالأعاصير لا تأتي من صحراء نجد، وإنما من خلل في جغرافية الكويت، لا يصلحه إلا ترسيخ الرابطة مع المملكة العربية السعودية ومع الآخرين ليشكلوا الرادع المؤثر.
وجميعاً نحمي هذا الصمود الصلب الجامع للبلدين ونراقب اتساعاته ونحرص على سلامته، وبهذا الشعور نشارك أبناء المملكة فرحتهم ونغرّد مع المسؤولين فيها وننقل لهم أننا على علم بالمحتوى النبيل الذي يضمّنا مع المملكة، قيادةً وشعباً.

&