حلمي شعراوي 

نال طرف من سوء الظن المتبادل الأميركيين مثل الصينيين، مثلما نال العرب وبعض الدول الأفريقية نفسها، لأن كل طرف يحاول الدفاع عن نفسه بشكل أو آخر. هذه كانت خلاصة المتابع لاجتماع رؤساء الاتحاد الأفريقي الثلاثين (القمة الأفريقية) عندما يستعرض أعمال هذا المؤتمر الدوري المهم على المستوى الأفريقي، وتحت شعارات أساسية عن التجارة والفساد والأمن.

وقد أصبح مفهوماً أن التبادل التجاري وتمويل العمليات المساندة له (الاتصالات – الطرق – صناديق التنمية..) تلعب دوراً رئيسياً في تنمية العلاقات، ووضع كتلة ما أو دولة ما في فضاءات مستقبلية مثل أفريقيا وأجزاء كبيرة من آسيا، بل والمنطقة العربية. ولا تكاد المنطقة العربية أن تكون طرفاً في منافسة ما، بقدر ما باتت بعيدة عن معظم المشاكل الأفريقية أو متلامسة مع بعض المناطق الآسيوية التي تعتبرنا «الشرق الأوسط» وكفى، وليس بصفتنا العربية.

وقد نبدأ بالعلاقات الأفريقية الأميركية، ليمكن القول: في عهد الرئيس «ترامب»، ومنذ بداية استقراره، وهو لا يمل من التعريض بالدول الأفريقية تارة، بل والعربية نفسها تارة أخرى، لكنه كان قاسياً عندما طرح مؤخراً بأن أفريقيا «بؤرة مقرفة» إن صحّت الترجمة في أفضلها أدباً...! وقد أثار التصريح الأطراف الأفريقية حتى جاء مؤتمر القمة ليقترح بعضهم «توجيه اللوم» إلى الرئيس الأميركي وضرورة اعتذاره «وكان ذلك مساء ليلة الاجتماع الوزاري للقمة، وإذ تصل «رسالة رقيقة» من الرئيس الأميركي تعبر عن احترامه لرؤساء أفريقيا وقمتهم، ويعد بجولات من قِبل كبار دبلوماسيين له لأنحاء أفريقيا في وقت قريب. كما أعادت الأنباء لقاءه الودي مع الرئيس كاجامي رئيس رواندا في «دافوس» قبلها بأيام، وهو يعلم أنه الرئيس القادم للاتحاد، كذلك عانت الصين من تسريبات غريبة من «تجسسها» على الاتحاد الأفريقي!

وبينما دهش معظم المتابعين من خطط صينية وضعت لآلات تجسسها في حوائط الاتحاد الذي بنته للقارة، حيث صرح رئيس مفوضية الاتحاد ساخراً عم يتجسس الصينيون أو غيرهم هنا؟ لكن التسريبة لم تكن تقصد حجمها المتواضع هذا بقدر إثارة الشوشرة على خطط الصين لإغراء أفريقيا بتبادل تجاري يصل إلى 300 مليار دولار قريبا، كما أن لها الأولوية الآن في المساعدات، وشق الطرق، وكل أنواع البنية التحتية، وأنها ستؤكد ذلك في مؤتمر قمة صيني أفريقي هذا العام في أكبر احتفال لتنمية التعاون بين الصين والقارة.

من ناحية أخرى أشعر بأن الحديث عن تجارة الرقيق التي فجرتها أحداث ليبيا والنيجر، وتحديد متاجرين فيها في البلدين، ورصد حالات في موريتانيا تعتبر قائمة، لكنها كانت تمثل نوعاً من الضغط على البلدان العربية، للتعامل بجدية في موضوع الهجرة غير الشرعية، سواء بالمواجهة الجادة - دون دفع أية تكلفة غريبة لذلك – أو التنمية المحلية بمساعدات محدودة لاستيعاب الشباب الأفريقي في مواقعهم.

أما عن قصة مواجهة الفساد وهي إحدى شعارات المؤتمر الأساسية، فإنها غطت على مسائل كثيرة حول مواجهة الإرهاب، وقضايا الأمن المتبادل رغم جدية مجلس السلام والأمن في الاتحاد، لكن قضايا الفساد التي خلعت «موجابي» من قبل، وتكاد تخلع الرئيس زوما رئيس جنوب أفريقيا، وارتباطه بعدد من الرؤساء الأفارقة ممن لا يحترمون الدستور، ويريدون الاستمرار بأي ثمن في مناصبهم بدءاً من رئيس رواندا نفسه رئيس القمة الجديد ومروراً على الكونغو، وتشكيك المعارضة الكينية في شرعية الرئيس الكيني، كانت إنذاراً دائماً من اعتبار ظاهرة الفساد بديلاً لظاهرة الصراعات العرقية أو الحدودية...الخ وقد أنقذ الموقف في هذا الصدد تصريحات الرئيس محمد بخارى عن بطولته، مؤيداً من الاتحاد في محاربة الفساد في نيجيريا التي كانت شهيرة بقضايا الفساد الكبرى، وما زال البعض يرى أنها لم تبرأ منها.

لم تخل عدة مشاكل أخرى في القمة الأفريقية، لا يخلو بعضها من الالتفاف للتقليل من مخاطرها: فمشكلة تدوير الرئاسة في جنوب أفريقيا ورفض «زوما» الانسحاب بشرف أو إجباره على الاستقالة ما زالت قائمة رغم صدور التصريحات من البرلمان والرئيس القادم كل يضع ساعات عن الوصول لحل المشكلة باتفاق مشرف مع زوما!

وهناك مشكلة ميزانية الاتحاد وعجزه رغم إثارة البعض لعقد قمة خاصة حول إمكان التمويل الذاتي من داخل أفريقيا وليس الاستدانة أو الجري وراء المانحين. وفي هذا الإطار سعد المصريون بإشارات احتفالية أخرى، مثل ترشيح الرئيس السيسي لرئاسة القمة القادمة لعام 2019، أو النجاح الرمزي، والذي نأمل أن يكون مؤكداً للقاء الرؤساء المصري والإثيوبي والسوداني، حول سد النهضة، لأننا في مصر بالذات نعرف أساليب البيروقراطية حين يصعب عليها الحل، فتحيله للجنة، وقد تشكلت عدة لجان للموضوع، نتمنى لها التوفيق لحل هذه المشكلة المعقدة حول السد وملئه، خاصة بعد أن رأينا «بكوات» كيب تاون يحملون «الجراكن» فرادى مملوءة بالمياه إلى بيوتهم.