عبدالحق الصنايبي

لعل العلاقات الاستراتيجية بين إيران وإسرائيل ظلت معطى ثابتاً ولم تعرف هزات «فعلية» على أرض الواقع، اللهم الشعارات الإيرانية بـ «الموت لأميركا والموت لإسرائيل» والتي تدخل في إطار التقية السياسية التي تجيدها القيادات الإيرانية..

أثارت الغارات الإسرائيلية السبت الماضي على مواقع سورية الكثير من القيل والقال حول تصعيد محتمل بين إسرائيل من جهة، وإيران وسورية من جهة أخرى، وذلك على إثر تسجيل إسقاط الدفاعات الجوية السورية «منظومة إس 200» لمقاتلة إسرائيلية من طراز إف 16. هذه الغارات الإسرائيلية جاءت على إثر ما قالت تل أبيب: إنه اختراق لأجوائها عبر طائرة إيرانية انطلقت من سورية، وتم إسقاطها في منطقة وادي جزريل شرق حيفا.

وقد يبدو للوهلة الأولى، أن هناك مؤشرات التصعيد بين الطرفين دفعت بعض «الحالمين» إلى طرح فرضية اندلاع مواجهة عسكرية بين إيران وإسرائيل، في جهل واضح لمحددات البيئة الاستراتيجية الإقليمية في المنطقة وعدم ضبط لحقيقة العلاقة «التاريخية» والشراكة «الاستراتيجية» بين إيران وإسرائيل، دفعت الهالك أرييل شارون إلى حد القول: إن «إيران لا تشكل خطراً على إسرائيل على المدى البعيد».

علاقات ضاربة في عمق التاريخ

ولفهم بعض عناصر العلاقات الإيرانية - الإسرائيلية، وجب التذكير أن هذه العلاقة، ضاربة في أعماق التاريخ ويربطها البعض بالحدث التاريخي المرتبط بإسقاط الإمبراطور الفارسي قورش للدولة البابلية الكلدانية سنة 539 ق.م، حيث تُؤكد بعض الوثائق أنها تمت بمساعدة يهودية. في نفس سياق الأحداث التاريخية، توثق بعد الوثائق لانتصارات الملك قورش على إمبراطورية ميديا، ومد سلطانه إلى فلسطين التي دخلت تحت نفوذ السيطرة الفارسية سنة 539-332 ق.م.

في هذا السياق، سمح الزعيم الفارسي قورش الكبير بعودة اليهود إلى فلسطين كما سمح لهم بإعادة بناء الهيكل في القدس، حيث تمتع اليهود في هذه المدينة بنوع من الاستقلال الذاتي تحت السيادة الفارسية. لتتوطد العلاقة بين الطرفين عندما تزوج قورش من ابنة زعيم اليهود المسبيين في الموصل (نينوى).

ولعل العلاقات الاستراتيجية بين إيران وإسرائيل ظلت معطى ثابتاً ولم تعرف هزات «فعلية» على أرض الواقع، اللهم الشعارات الإيرانية بـ»الموت لأميركا والموت لإسرائيل» والتي تدخل في إطار التقية السياسية التي تجيدها القيادات الإيرانية.

من جانب آخر، يعيش في إيران اليوم نحو 45 ألف يهودي، وهم بذلك أكبر تجمع يهودي في الشرق الأوسط خارج «إسرائيل». هذا وقد سبق أن دشنت إيران في يناير 2015 لنصب تذكاري جديد للجنود اليهود الإيرانيين الذين قُتلوا أثناء الحرب الإيرانية - العراقية (1980-1988).

وفي وصفه للعلاقة الإيرانية - الإسرائيلية اعترف الباحث السياسي الأميركي ديفيد بولوك أن إيران لا «تشكلّ أدنى خطر على إسرائيل». هذا المعطى أكدته الخرجات الرسمية للقيادات السياسية في البلدين لحظات بعد اندلاع ما اصطلح عليه بـ»الأزمة» مؤخراً، والتي اعتبرت أن الأمر لا يمكن أن يعرف طريقه إلى التصعيد العسكري، فيما أكدت إسرائيل أنها غير معنية بأي شكل من أشكال التصعيد.

«إيران غيت»: الرهائن مقابل السلاح لإيران

«عرضنا صفقة الأسلحة الإسرائيلية على الخميني فوافق، وقال: خذوا منهم ما يكفي للحرب»، بتلك الكلمات روى الرئيس الإيراني الأسبق الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني ورئيس تشخيص مصلحة النظام، إدارته لأشهر صفقة بين إسرائيل وإيران، أو ما عرفت بـ»إيران غيت» أو فضيحة «إيران كونترا». حيث إنه، وفي الوقت الذي كانت تتعالى فيه أصوات رونالد ريغان مؤكدة أن لا تنازل ولا تفاوض مع الإرهابيين، كان الكولونيل الأميركي ألفير نورث يعقد اتفاقاً مع الجهة الداعمة للخاطفين ممثلة في إيران. ورغم استمرار، هذا الأخير، في إنكار «العملية» إلا أن قيمة الصفقة وتعدد المتدخلين فضحها لتصبح من أكبر الفضائح التي تورطت فيها إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية منذ فضيحة «ووتر - غيت» على عهد الرئيس ريتشارد نيكسون سنة 1972 والتي أدت إلى استقالته في شهر غشت سنة 1974.

وفي تأكيد لا يحتاج إلى دليل، اعترف مناحيم بيغن في 3 يونيو حزيران 1982 أن إسرائيل كانت تمد إيران بالسلاح، ومن جانبه علل وزير دفاعه آنذاك، أرييل شارون ذلك بأنه كان مطلوباً لإضعاف العراق بالنظر إلى طموحاته النووية!!

ويبقى السؤال المنهجي الذي يطرح نفسه بقوة، لماذا في كل مرة يضيق الخناق على إيران وترتفع الأصوات الداخلية والخارجية منددة بسياساتها في المنطقة، تتحرك الحليفة إسرائيل لاختلاق «أزمة وهمية» تعيد التوهج لإيران عبر تلميع صورتها على المستوى الخارجي وتوحيد صفوفها الداخلية، خصوصاً بعد الهزات الاجتماعية التي ضربت إيران والتي رفعت، ولأول مرة، شعار «يسقط النظام»؟.