سمير عطا الله

 ربما لم يؤثر شيء في حياة البشر مثل الحكاية؛ يرفض الطفل أن ينام ما لم يسمع من أمه، أو جدته، حكاية ما، ولو أنه سمعها من قبل. تعلمت الشعوب تاريخها من خلال الحكايات. «الإلياذة» حركت اليونان، وقيل إنها كانت دافع الإسكندر الأكبر. لا تزال «ألف ليلة وليلة» الأكثر مبيعاً حول العالم، مع أن معظم الناس تشكك في أصولها وجذورها وما أضيف إليها عبر السنين.

عندما ترجمت «ألف ليلة» إلى الفرنسية أول مرة أثارت هوساً بين الناس، ولم يعد في إمكان المترجم، أنطوان كالان، الترجمة بالسرعة الكافية، فهاجم الناس المطابع مطالبين بالفصول التالية.
ثم حدث ما هو أفظع في ذلك العام من 1709: لقد نفدت الأفكار والمخيلة عند المسيو كالان. وفي هذه الأثناء، وصل إلى باريس شاب سوري من حلب، يدعى حنا دياب. ولم يكن دياب أقل مخيلة من شهرزاد، فاستعان به كالان لاختراع فصول جديدة. ومن تلك المخيلة الشابة، ولدت شخصيات ساحرة أخرى، بينها علاء الدين وعلي بابا والأربعون حرامياً؛ وفرح الباريسيون.
ولم تظهر أول نسخة عربية مطبوعة من «ألف ليلة» قبل القرن التاسع عشر، لكنها كانت قد حفظت من قبل في النسخ وفي الذاكرة، مع ما أضيف إليها من خصب المخيلات.
جعلت الحكاية سامعيها يحبون البعض، ويبغضون البعض الآخر؛ الخير والشر. والتقت الشعوب بسببها عند مفارق كثيرة. مثلاً، ظهرت في أوروبا خلال القرون الوسطى حكايات الفروسية والفارس النبيل، لكن فروسية عنترة كانت قد ظهرت قبل ذلك بوقت طويل. وتميز عنترة عن سواه بأنه هو من كان ينشد الشعر، ولم يتكل على الشعراء الآخرين، يروون بطولاته ويشبِّهون لمعة السيوف بثغر عبلة وابتسامة ابنة العم.

الملحمة والحكاية والأسطورة والمسرحية لعبت الدور الأول في تاريخ الشعوب، خصوصاً في المراحل المبكرة. فما هي البطولات إن لم تجد من يرويها؟ ويفضل الشعر، فصيحاً أو عامياً، بسبب وقعه المؤثر في النفوس وسهولة حفظه.
لقد حل التلفزيون محل الحكاية والحكواتي، لكن الوظيفة واحدة. وأعتقد أن أحد أكثر الأعمال تأثيراً كان مسلسل «فاروق»؛ لقد قلب تماماً صورة كانت الثورة المصرية قد أمضت عقوداً في زرعها في الأذهان. وقد يعادله في ذلك مسلسل «أم كلثوم»، الذي حولها من أغنية جميلة إلى حكاية أكثر جمالاً. ومن أين جاءت فكرة المسلسلات في أي حال؟ الحقوق محفوظة للسيدة شهرزاد.