وحيد عبد المجيد 

 الاعتقاد الشائع في أوساط كثير من دارسي الإرهاب والمعنيين بمتابعة تطوراته أنه أصبح غير مركزي بعد هزيمة تنظيم «داعش»، وتحرير المناطق التي احتلها في العراق وسوريا. شاع استخدام تعبير الذئاب المنفردة للدلالة على لامركزية الإرهاب في مرحلته الراهنة. وأصبح مألوفاً عقب حدوث عملية إرهابية أن نطالع ما يفيد بأن منفذها تحرك بمفرده أو من تلقاء نفسه، كما قال وزير الداخلية الفرنسي جيراركولوب، عقب الهجوم الذي شنه مسلح اقتحم «سوبر ماركت» وأخذ رهائن في بلدة «تريب» جنوب فرنسا في 23 مارس الماضي.

غير أن المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في لاهاي نقل فكرة لامركزية الإرهاب من اعتقاد شائع أو افتراض مقبول على نطاق واسع، إلى ما يرى معدوه أنها حقيقة سعوا لتوثيقها وتحليلها في تقرير صدر عن المركز مؤخراً، وتضمن قراءة في العمليات الإرهابية التي حدثت في أوروبا والولايات المتحدة على مدى ثلاث سنوات من يوليو 2014 إلى يونيو 2017. يخلص هذا التقرير إلى أن 92% من الإرهابيين الذين نفذوا عمليات في أوروبا والولايات المتحدة خلال تلك الفترة لم يتلقوا تعليمات من أي تنظيم، بل تأثر بعضهم بدعاية «داعش» أو استلهموا خطاه كلٌ بطريقته.

وإذا صح ما خلص إليه تقرير مركز لاهاي، يمكن أن نستنتج منه أن الإرهاب يعود في المرحلة الراهنة إلى الحالة التي كان عليها عقب ضرب المعقل الرئيسي لتنظيم «القاعدة» في أفغانستان نهاية عام 2001، وحتى ظهور التنظيم الذي عُرف منذ 2012 باسم «داعش»، وتمدده في العراق وسوريا.

فقد أدى الحصار على حركة قادة «القاعدة»، وتمويله واتصالاته، إلى إضعاف قدرته على التواصل مع المجموعات المحلية التي ارتبطت به في عدد من البلدان. وتحولت قيادة «القاعدة» طول العقد الماضي إلى«رمز» يُلهم بعض المتطرفين في أماكن من العالم.

غير أنه رغم وجود شواهد تدعم هذا الاستنتاج، ينبغي العمل على تدقيقه، في ضوء تمكن «داعش» من السيطرة على مساحات في شمال أفغانستان وشرقها على نحو قد يتيح له تحويلها إلى مركز جديد يُعوّض بدرجة أو أخرى خسارة معقليه السابقين في الرقة والموصل.

ويلفت الانتباه في هذا السياق الفيديو الذي بثه التنظيم عبر شبكة الإنترنت، عقب العملية الإرهابية التي نفذها في مدينة جلال آباد في 7 مارس الماضي، وأدت إلى قتل رئيس مديرية الشؤون الدينية والحج في أفغانستان، وحارسه الشخصي، حيث فجر انتحاري نفسه في سيارة كانت تقلهما.

فقد دعا أحد مقاتلي «داعش» في هذا الفيديو «المسلمين في كل مكان» إلى الهجرة إلى ما أسماه «دولة الإسلام» في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في أفغانستان. وظهر فيه مقاتلون يتدربون في جبال تورا بورا التي سيطرت عليها من قبلُ «القاعدة».

وإذا تمكن «داعش» من بناء مواقع حصينة له في مناطق سيطرته الحالية بأفغانستان، فربما أمكنه تحويلها إلى مركز جديد يستخدمه لنشر الإرهاب في العالم، مما يدفع للتمهل في نظرية لامركزية الإرهاب، ومقولتها الأكثر شيوعاً وهي «الذئاب المنفردة».

وليس هناك ما ينفي أن يكون بعض من وضعهم تقرير مركز لاهاي في خانة الذئاب المنفردة مرتبطين بأحد فروع «داعش»، مثل فرعه بليبيا الذي تتوفر مؤشرات على أنه سعى للتواصل مع عناصر متطرفة في أوروبا. وربما لم يعط معدو تقرير لاهاي هذا الاحتمال الاهتمام الذي يستحقه، خاصة أن معديه ركزوا لإثبات عدم قدرة قادة التنظيم المختبئين في أماكن يرجح أنها صحراوية في سوريا والعراق، على التخطيط والتواصل والتوجيه.

لقد كانت أفغانستان في التسعينيات مركز الإرهاب في العالم حين أقامت «القاعدة» ركائزها الأساسية هناك. وإذا تمكن «داعش» من تحويل مناطق سيطرته في أفغانستان إلى معقل جديد له، ربما يُعاد إنتاج حالة الإرهاب في التسعينيات، بخلاف ما تذهب إليه نظرية اللامركزية القائمة على أن ما يحدث الآن بمثابة إعادة إنتاج حالة الإرهاب في العقد الماضي.

والحال أن علينا التمهل والتدقيق قبل أن نصل إلى استنتاج نطمئن إليه بشأن حالة الإرهاب في الفترة القادمة، وهل سيكون لامركزياً أم متمركزاً في أفغانستان، لكي توضع خطط مواجهته على أساس صحيح.