بنكاج ميشيرا
منحت الحكومة الباكستانية الشهر الماضي ثالث أعلى جائزة مدنية فيها للكاتب والصحفي محمد حنيف. وما حدث في باكستان، أثار مشاعر متعارضة لدى كثير من الكتاب والصحفيين في الهند المجاورة التي يفترض أنها أكبر ديمقراطية في العالم.
فقد أثلج الخبر صدورهم لأن هناك عددا من الكتاب المعاصرين يستحقون الاحتفاء بهم مثل حنيف. وقد ذكر الروائي الباكستاني البريطاني نديم أسلم ذات يوم أنه بينما «تنتج باكستان أشخاصا أصحاب شجاعة استثنائية، فإنه لا توجد دولة يستلزم فيها أن يكون مواطنوها بمثل هذه الشجاعة». وجسد حنيف لفترة طويلة هذه الشجاعة الاستثنائية في مجتمع هيمن عليه سياسيون مرتشون وجواسيس مندسون ومتعصبون دينيون. فقد كشف حنيف، بجرأة، الأعمال الوحشية للصفوة الباكستانية وذرائعها. وحين كتب عن انتهاكات حقوق الإنسان في إقليم بلوشستان، عرّض حياته للخطر من وكالات الاستخبارات الباكستانية. وتكريم حنيف، بالإضافة إلى الناشطة الحقوقية الراحلة «عاصمه جهانكير»، هو بمثابة تكريم الحكومة الباكستانية المدنية لنفسها.
لكن التكريم في الوقت الحالي يثير شعورا مرا لدى كثير من الكتاب والصحفيين الهنود، لأن كفاحهم بعد ثلاث سنوات من عودة حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي إلى السلطة في نيودلهي، أصبح بوسائل متعددة شاقاً، مثل الكفاح الذي يثقل كاهل نظرائهم في باكستان منذ فترة طويلة. فهناك عداء فطري للحياة الثقافية بصفة عامة لدى كثير من العازمين على تحويل جمهورية الهند إلى أمة هندوسية. لكن هجماتهم على السلطة الرابعة (الصحافة) في الهند ما تزال تثير الدهشة. ولطالما كانت الصحافة مهنة قاتلة في المناطق الحدودية للهند مثل كشمير. بيد أن الصحفيين في قلب الهند أصبحوا الآن هدفا للجان الأهلية التي تنفذ القانون بنفسها وللمتعصبين أصحاب الأيديولوجيات. وفي الأيام القليلة الماضية، احتلت الهند المرتبة 138 من 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة لعام 2018 الذي ترصده منظمة «مراسلون بلا حدود»، وهي لا تتقدم في هذا الشأن على زيمبابوي وأفغانستان إلا قليلا. وخلقت جيوش تستخدم تويتر وواتسآب وفيسبوك واقعاً جديداً تماماً يعمل فيه المسلمون والليبراليون والعلمانيون واليساريون وغيرهم من المناهضين للقوميين، على التصدي لمسعى إقامة أمة هندوسية مجيدة.
واستهدفت هذه الجيوش الأسبوع الماضي بشدة الصحفية المستقلة «رانا أيوب»، مؤلفة كتاب «ملفات جوجارات»، وهو تحقيق حول ما قيل إنه تواطؤ مسؤولي حكومة ولاية جوجارات في مذبحة ضد المسلمين عام 2002. ويرى المؤلف الهندي سيدهارتا ديب، كما كتب الشهر الماضي في موقع «كولومبيا جورناليزم ريفيو»، أن الأمر «يبدو، أحياناً، كما لو أن المشكلة هي المعلومات نفسها والشفافية والكشف والتفكير الانتقادي وأي شيء وكل شيء قد يعتبر من سمات المجتمع الحر المفتوح». وتحاول وسائل إعلام التيار العام أن تبتعد عن بعض أكثر قصص الهند إثارة للجدل، مثل الموت الغامض لقاض كان يحقق في اتهامات بالقتل موجهة ضد حليف لمودي. والضغوط من القوميين الهندوس تفسر جزئياً هذه الرقابة الذاتية الواضحة. فقد كتب ديب يقول: «إن الجميع، من المالكين إلى فريق تحرير، راغبون فيما يبدو في المشاركة في المشروع القومي الهندوسي».
وذلك يصح على الصحف واسعة الانتشار مثل «تايمز أوف إنديا» وعلى الصحف المحلية على السواء. والصحفيون الذين لا يريدون الانتظام في الصف يُجبروا على الخروج منه، ومن هؤلاء مؤخراً «هاريش خير»، وهو صحفي مخضرم ورئيس تحرير صحيفة «تريبيون» الذي نشر قصة تكشف عيوباً في مشروع تحتفي به الحكومة ويتعلق بالتعرف على هوية الشخص بالوسائل البيولوجية. وتسبب تحقيق صحفي طويل في مجلة «أوتلوك» للصحفية «نيها ديكسيت» تناولت فيه اتجار قوميين هندوس بفتيات صغيرات للغاية، في ترك رئيس تحرير الصحيفة لمنصبه. ونشرت مجلة «كارافان» الشهرية التي يديرها صحفيون معارضون قصصاً تلفت الانتباه إلى العنف والفساد والخداع الرسمي.
ومواقع الإنترنت المشاكسة، مثل «سكرول» و«واير»، خصصت مساحات للتعليقات الانتقادية. والصحفيون في وسائل الإعلام الناطقة باللغات المحلية دأبوا على الكشف عن الفساد وسط السياسيين والبيروقراطيين ورجال الأعمال، معرِّضين حياتهم لخطر كبير. وركز صحفيون كشميريون، رغم شح مواردهم، على مدار شهور على قصة عن فتاة تبلغ من العمر ثمانية أعوام اغتصبها هندوس مراراً وقتلوها حتى أصبحت القضية قصة في الأنباء العالمية هذا الشهر.
وفي الوقت الذي تصعد فيه الهند كقوة عالمية، فإن أحلام المجد القومي تسحر بعضاً من أكثر صحفيي البلاد وكتابها نفوذاً. ومن المؤكد أن هناك جيلا أصغر سناً من الكتاب والصحفيين يدركون علاقتهم العدائية بالضرورة مع المسؤولين. ومستقبل الديمقراطية الهندية يعتمد على عدد أكبر بكثير من هؤلاء، من أصحاب الشجاعة الاستثنائية كنظرائهم في باكستان.
*كاتب وروائي هندي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
التعليقات