كلمة الاقتصادية
منذ وقوع النكبة في فلسطين، درجت المملكة على سياسة واضحة، وهي العمل من أجل فلسطين أولا، والتحدث عنها ثانيا. في حين كانت معظم الأنظمة العربية تفعل العكس، ناهيك عن البلدان الغربية التي ساهمت في النكبة وتحدثت عنها أكثر مما قدمت لها. هذه هي السعودية، العمل ثم العمل من أجل القضايا العادلة كلها، فكيف الحال بالقضية الفلسطينية التي تمثل محور القضايا في المملكة؟ كثير من الجهات استغلت القضية المحورية هذه، وأشبعتها "جعجعة شعبوية" لتحقيق أغراض خاصة جدا، انعكست هما إضافيا على فلسطين والفلسطينيين، وعمقت أزمات ضمن مسارات فيها. إنه التاريخ يتحدث هنا. لكن الأمر على الجانب السعودي مختلف تماما، أن تعمل لفلسطين أكثر، ودع الآخرين يتحدثوا عن هذا العمل أو ذاك.
المملكة وضعت فلسطين منذ البداية وحتى اليوم في ضميرها، وليس في بياناتها فقط، وعملت على أن تكون القضية برمتها في الضمير الإنساني، واستغلت كل نفوذ وقوة لها من أجل تحقيق هذا الهدف. وحتى عندما كانت المملكة تعاني ماليا، كانت تقدم أكثر مما كان يقدمه أصحاب الأموال الوافرة. ولأنها "أي فلسطين" دخلت في حساب الضمير السعودي، فكل شيء يبدو صغيرا أمامها. المهم أن تكون القضية في المقدمة، وأن تكون جوهرتها القدس المحتلة، التي تمنى كل من مر على القيادة السعودية أن يصلي في المسجد الأقصى المبارك. ومن هنا كان يأتي التحرك السعودي على الساحة الدولية، من خلال ضغوط ومشاورات ومباحثات ومؤتمرات وتكتلات وغيرها. فالحراك من أجل فلسطين هو منهج سعودي في الواقع، وليس تحركا موسميا.
لو أردنا استعراض ما قامت به المملكة من أجل فلسطين، فإننا لا ننتهي. لكن القيادة في الرياض لا تحب عادة ذلك، لأن النتائج واضحة على الساحة، ولا داعي للحديث عنها. لم تتأخر السعودية في أي شيء يفيد القضية والقضايا العربية الأخرى، ناهيك بالطبع عن القضايا الإسلامية المختلفة حول العالم. ولأن فلسطين جوهرة القضايا عند السعوديين كلهم، فهي تبقى في المقدمة، وتظل الهم الذي يحرك الهمم في المملكة. أطلقت المبادرات تلو الأخرى، وأوقفت كثيرا من المآسي التي أصابت الشعب الفلسطيني، وقللت من هذه المآسي في كل الأحيان. أعلنت مبادرتها التي تبنتها الجامعة العربية التي تعتبر أساسا اليوم وغدا لحل القضية الفلسطينية، وهي المبادرة التي قبلها العالم كله إلا الاحتلال الإسرائيلي وهذا الأمر مفهوم بالطبع.
المبادرة السعودية - العربية هي الأساس، وهي التي كرست أحقية الفلسطينيين والعرب والمسلمين في القدس المحتلة، ولا تنازل عن ذلك بأي حال من الأحوال. وتحركت المملكة في الآونة الأخيرة من أجل تأخير قرار الولايات المتحدة نقل سفارة بلادها إلى المدينة المحتلة، واستخدمت كل ما توافر لها من أدوات لذلك. وأعلنت موقفها الرافض تماما لهذه الخطوة، وشددت على تمسكها في مبادرتها المقبولة عالميا. لا مجال لأي جهة تحب المزايدة. وهذا النوع من الجهات اكتسبت من فلسطين الجريحة أكثر مما قدمت لها. أما في السعودية فالوضع مختلف، لا تنازل عن أي ثابت فلسطيني، ولا تجاوز عن أي شيء يقبله الفلسطينيون أنفسهم. خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز قالها في عشرات المناسبات "ما يقبله أشقاؤنا الفلسطينيون، نقبله".
القدس ليست شعارا شعبويا بائسا. إنها قضية حاضرة في كل الأزمنة وستبقى هكذا حتى التوصل إلى حل يرضي الشعب الفلسطيني أولا. وكذلك الأمر بالنسبة لباقي القضية الفلسطينية، لا تفريط في الحقوق، ومواصلة دعم الفلسطينيين سياسيا واقتصاديا على كل الساحات. إنها المبادئ السعودية التي لا يفهمها الغوغاء.
التعليقات