طيب تيزيني: يمر العرب في هذه المرحلة المعيشة بكثير من الاضطراب والخوف والهلع، لاسيما بعد ما يطلق عليه «الربيع العربي» الذي أصبح «تزعزعاً عربياً».. لذا أصبح أسمى مطلب في العديد من البلاد العربية مجرد العودة إلى «حالة التوازن» التي كانت قائمة من قبل رغم كل المآخذ عليها.
وربما يصح القول بأن ما يحدث الآن في العالم العربي بعضه متأتٍ مما حوله، لكننا في حالة حروب داخلية أساساً، مما أنتج مذابح خارجية وداخلية معاً.
والحق أن بلدان «الربيع العربي» كانت بحاجة ماسة إلى نمط من الإصلاحات السلمية، إصلاحات تصوِّب ما بدأ يظهر فيها من مطالب إصلاحية، وهو أمر كان وارداً في ظرفيه الزماني والمكاني. فمفهوم الإصلاح مفهوم مفتوح، حتى في أكثر البلدان تقدماً وتطوراً.
وفي حال كهذا، تبرز أهمية تفهّم أهل الحل والعقد لدواعي التعاون في حل ما يحتاج حلاً. وهذا أمر طبيعي في عالم السياسة، كما في العلاقات الإنسانية. إن التعاون في هذه الحالات بين السلطة ومجتمعها يمثل مطلباً حاسماً. إن حواراً ديمقراطياً شفافاً هو ما كان ينبغي تبنِّيه لتلافي القلاقل التي عصفت ببلدان «الربيع العربي»، لكن ذلك لم يحدث، وحدثت أخطاء أفضت إلى القطيعة بين الجانبين. والأخطاء في الحقل السياسي قد تكون مكلفة جداً، وقد تكون تكلفتها هي الوطن نفسه.
إن وضعية معقدة كتلك تحتاج لشيء من الحكمة، ضماناً لشيء من الأمن والأمان، وإلا فإن الحروب الداخلية قد تتواصل دون توقف، وهي حروب ذات تكلفة باهظة وكبيرة، وربما تقوض أسس الكيان الوطني ذاته.
إن طالِبَ السلام حين يسعى إليه حقاً، باحثاً في صيغه الممكنة، لا بد أن يجده، أما حين يخرجه من دائرة الاحتمال التاريخي، فإنه يغيب تحت غياهب المشكلات التي تُنتج نفسها بطريقة أو بأخرى.
ما يحتاجه العالم العربي هو ربيع حقيقي للشعوب العربية، ولو بصيغة أولية قابلة للحياة ولمواجهة الحلول السوداء التي يحاول فرضها تجارُ الحروب في الخارج والداخل. وإن ذلك الربيع الغائب قد تكتشف بصماته حين تتوافر الآمال القومية ومحفزاتها. لكن الآن قلّما نجد ذلك واضحاً كالشمس، وبرغبة قومية صادقة، في ظروف أصبح عُجرها وبجرها أكثر وأعم في واقع الحال المأساوي. وتظل الإرادة الصلبة والصادقة سلاحاً ضرورياً لكل من يسعى إلى السلام المجتمعي، خصوصاً عندما يكون الهدف هو إنقاذ الوطن.
ويحق للشعوب العربية أن تتساءل: إلى أين المسير؟ وإلى متى تستمر الأزمات والاضطرابات؟ ولماذا تبقى كثير من بلداننا خارج حلبة التاريخ؟ إنه سؤال يتجه مباشرة إلى أحد مفاتيح الحراك التاريخي؟
إنه مؤسف، وبعد عقود من الاستقلال والتحرر الوطني، أن ينتهي العالم العربي إلى خطاب الأعراق والأديان والأقليات، إضافة إلى خطاب الاستحواذ على الوطن تاريخاً وراهناً ومستقبلاً، يداً بيد مع خطاب الاحتراب والمحاصصة، والمستقبل العربي المخطوف والمخترق.
لقد آن أوان الاعتراف بإفلاس كثير من الشارات والشعارات والعناوين والادعاءات.. التي أعلنت أن بلداً غير عربي يمتلك عدداً من العواصم العربية، مثل صنعاء ودمشق وبغداد وبيروت!
الحق أن ذلك الموقف غير عادل وغير مُحق ولا يحترم كرامة الشعوب ولا سيادة العواصم المذكورة، إضافة إلى كونه يطمع في حقوق الآخرين، بل يبدي حرصاً غير عادي على انتهاكها وعلى عدم احترام خيارات الأوطان.
أيها الوطن العربي الذي قدّمتَ ما قدمتَ للعالم كله، لا تنسَ أن التاريخَ مفتوحٌ ولن يغلق باسم أي شعار مضلل ما يلبث أن يتلاشى ويصبح نسياً منسياً.
التعليقات