سطام المقرن

أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- أمرا ملكيا بإنشاء وزارة بمسمى «وزارة الثقافة»، وفصلها عن وزارة الإعلام، وتعيين الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، وزيرا لها، وذلك بهدف تعزيز الهوية الثقافية السعودية والمحافظة عليها، وتماشيا مع رؤية المملكة 2030، وهذا القرار يعكس حرص القيادة السعودية على تنمية الإنسان السعودي وتنمية المعرفة، والتوجه نحو تحقيق التنمية المجتمعية الشاملة.


لا شك أن إنشاء وزارة مستقلة للثقافة، يعكس أهمية الثقافة في أي مجتمع، ولكن ما زال مفهوم الثقافة غير واضح لكثير 
من الناس، وبالتالي الجهل بأهمية هذا المفهوم، الأمر الذي ينعكس أيضا على طبيعة دور وزارة الثقافة الجديدة. 
فعلى سبيل المثال، يحصر البعض مصطلح الثقافة في «الأدب، الفنون الجميلة، المسرح، الموسيقى، السينما» فقط، والبعض الآخر يرى أن الثقافة تنحصر في طبقة المثقفين والمفكرين والأدباء، ومثل هذه المفاهيم تعدّ جزءا من مفهوم الثقافة، ولا تمثل المفهوم الشامل لهذا المصطلح.
يمكن تعريف الثقافة بمفهومها الشامل بأنها «مجموعة العادات والتقاليد والأعراف والقواعد والأفكار الموجودة في أية أمة من الأمم، وهي تشمل مختلف شؤون الحياة فيها، كالشؤون الدينية والأخلاقية والقانونية والفنية والصناعية واللغوية والخرافية، وغيرها. وهي ليست مجموعة بسيطة مؤلفة من أجزاء متفرقة، فهي تشبه المركب الكيميائي في خصائصه».
وبناء على المفهوم الشامل للثقافة، فإن الحياة الاجتماعية والمعالم الثقافية للمملكة، هي من المكونات الأساسية لهوية وخاصية المجتمع، وهي جوهرية لتقوية الشعور بالانتماء للمواطنين، وبالتالي يتمتع كل مواطن «بالحق في الثقافة» -الحق في إنتاج الثقافة وفي استهلاكها- فالثقافة ليست قاصرة على نخبة أو فئة معينة من المجتمع، وبناءً على ذلك تشمل الثقافة بمعناها الواسع «الموسيقى، المسرح، الرقصات الشعبية والفن متعدد المجالات، الأدب، الفن التشكيلي، السينما، مدارس الفنون، اللغة واللهجات، المتاحف، المكتبات، الثقافة الدينية ومختلف المذاهب والطوائف، الثقافة في المجتمع وثقافة الأبحاث والتراث، الغناء الشعبي والمهرجانات، الأدب والشعر والقصص والروايات..الخ».

وعلى هذا الأساس، تهدف أكثر الوزارات الثقافية في العالم إلى تعزيز الثقافة الوطنية، بحيث تعكس الهوية المحلية، وتكون إنسانية ومبدعة ومتجددة تحترم وتحافظ على التعددية الفكرية والدينية والمذهبية والجمالية، وتكون منفتحة على الثقافات الأخرى، وتعزز النسيج الاجتماعي وتصون التراث والحكاية التاريخية للمجتمع، وتنمي المواطنة القائمة على قيم المساواة والعدالة والكرامة الإنسانية.
أجد من المبكر الآن الحديث عن مهام واختصاصات وزارة الثقافة الجديدة، ولكن كتصوّر مبدئي، أعتقد أنه ستكون هناك إستراتيجية وطنية شاملة للثقافة، تتضمن دراسة وتشخيصا للواقع الثقافي والتحديات التي تواجهه، والتنسيق مع المؤسسات والجهات ذات العلاقة والمعنية بالشأن الثقافي، ورصد الوعي المجتمعي بدور الثقافة في عملية التنمية، مع وجود أبحاث متخصصة ومتعمقة في الشأن الثقافي السعودي، بحيث يكون هناك تحليل شامل لهذا الواقع، وتكون هناك رؤية مستقبلية واضحة لذلك، وعلى أساسها يتم تحديد الأهداف الإستراتيجية والسياسات وبرامج التنفيذ.
أما بالنسبة للتنظيم الإداري لوزارة الثقافة، فحسب المفهوم الشامل لمعنى الثقافة، وكذلك الرؤية المستقبلية للواقع الثقافي، والأهداف الإستراتيجية طويلة المدى، يكون الهيكل التنظيمي للوزارة في وجود قسم إداري لكل مجال من مجالات الثقافة، فعلى سبيل المثال يكون هناك قسم للبحوث الدينية، وقسم للتراث والمتاحف، وقسم للمكتبات، وقسم للثقافة الاجتماعية، وقسم للسينما، وقسم للموسيقى، وقسم للآداب، وقسم للمسرح، وهكذا، فضلا عن المجالس الثقافية.
إضافة إلى ما سبق، من المهم أن تكون رؤيتنا للثقافة منطلقة من اعتبارها رأس المال الاجتماعي، الذي يمنح الفرد والمجتمع القدرة العملية على مواجهة التغيرات والتطورات الحديثة، بحيث تكون ثقافتنا قادرة على التواصل والتجدد والانفتاح على معطيات الحضارة الحديثة، مع تهيئة البيئة المناسبة لجيل الشباب للإبداع والابتكار والبحث والتعلّم والمعرفة. فالثقافة لا تعني البقاء على القديم، وإن كانت تحافظ على التراث وتصونه، ولكنها تعني أيضا النقد والتجديد والتغيير والمعرفة والابتكار والإبداع في جميع المجالات.
وفي الختام، أبارك للأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، على الثقة الملكية الكريمة بتكليفه بمهمة وزارة الثقافة، وأدعو له بالتوفيق والنجاح في تحقيق تطلعات القيادة الكريمة، والوصول إلى نشر ثقافة وطنية تحقق التنمية الثقافية المستدامة، وفقا لرؤية المملكة 2030، فالمهمة ليست بالسهلة، والتحديات كبيرة وكثيرة في هذا المجال.