إيكونوميست

قبل ست سنوات، عاد نبيل موسى، وهو خبير بيئي كردي، إلى العراق بعد أكثر من عقد في الخارج. وألفى بلده على حال جديدة. فالأنهار التي سبح فيها على مدار العام صارت تندثر في الصيف.

وصارت السماء العراق صارت قفراً بعد أن كانت طيور اللقلاق والمالك الحزين تكاد لا تبارحها. والجفاف حمل المزارعين على ترك الزراعة، والعواصف الرملية- وهي كانت نادرة- جعلت الهواء خانقاً. فالتحق موسى بمجموعة بيئية محلية، «طبيعة العراق»، للترويج لسبل «خضراء» تقلص هدر المياه وموارد الطبيعة. ولكن المسؤولين الأكراد لم يعيروه بالاً. فالتغير المناخي هو آخر الهموم. واللامبالاة بالتغير المناخي هي الموقف الغالب في الشرق الأوسط وأفريقيا، على رغم تفاقم المشكلات المرتبطة به. فتفاقم قحل الجفاف، وصار أطول وأمضى، وموجات الحر أكثر قيظاً، والعواصف الرملية أكثر تواتراً من الرباط إلى طهران، بحسب معهد ماكس بلانك الألماني. ومواسم الجفاف صارت أطول، ويبست المحاصيل. وارتفاع درجات الحرارة تعاظم وبلغ مبلغاً مميتاً في الصيف. وتبدو توقعات ارتفاع الحرارة في الأعوام المقبلة مخيفة، وارتفاعها في العقود المقبلة كارثياً. فالحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سترتفع مرتين أسرع من المتوسط العالمي. فعلى خلاف مطلع القرن العشرين، كانت أيام القيظ (حرارة تفوق 48 درجة) تقتصر على 16 يوماً في العام، ولكن عدد الأيام هذه تكاثر، وسيتضاعف أكثر من 5 مرات في 2050 عما كان عليه مطلع القرن الماضي. وفي العام المنصرم، أوشكت إيران على تجاوز أعلى معدل حرارة موثق تسجيلها، 54 درجة مئوية، وهي عتبة سجلت في الكويت في 2016.


ويتوقع أن تنخفض معدلات السواقط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جراء التغير المناخي. وفي بعض مناطق المغرب، قد تنخفض المعدلات هذه 40 في المئة. وقد يرفع التغير المناخي معدلات الأمطار في البلدان الساحلية مثل اليمن، ولكن التبخر سيبدد أثر هذه الزيادة. والمزارعون يكافحون لري المزروعات العطشى، فيحفرون الآبار، ويستنفدون المياه الجوفية التي تعود إلى قرون مضت. وخلصت دراسة تستند إلى صور التقطتها أقمار الناسا الاصطناعية إلى أن حوضي دجلة والفرات خسرا 144 كيلومتراً مكعباً (ما يوازي تقريباً البحر الميت) من المياه العذبة بين 2003 و2010. ويعود شطر راجح من التقلص هذا إلى استخراج المياه الجوفية للتعويض عن تقلص منسوب مياه الأمطار. والتغير المناخي يساهم في مفاقمة الاضطرابات السياسية في المنطقة. فحين ألمَّ الجفاف بشرق سورية بين 2007 و2010، نزح 1.5 مليون شخص إلى المدن. وفي إيران، أدت سلسلة من موجات الجفاف القاسية منذ التسعينات إلى هجرة المزارعين المحبطين أرضهم إلى المدن. ومدى حصة الجفاف في تأجيج الحرب التي اندلعت في سورية في 2011 والاضطرابات الأخيرة في إيران، هو مدار نقاش لا يستخف به. والثابت أنه فاقم مشاعر الضيم في البلدين. وشح المياه قد يؤدي إلى نزاعات مع سباق الدول إلى تأمين موارد المياه من دون احتساب حصة دول المصب. فعلى سبيل المثل، لوَّحت مصر بالحرب حين بدأت إثيوبيا تشيّيد سد ضخم، والسدود التركية والإيرانية على دجلة والفرات وغيرهما من الأنهار أثارت الغضب في العراق- وسيف الجفاف مسلط عليه.

وصاغ العلماء خطوات يسع البلدان العربية اللجوء إليها للتكيف مع التغير المناخي، منها الانتقال إلى زراعة بذور مقاومة للحرارة. وإسرائيل تستخدم الري بالتنقيط لتوفير المياه. وهذه خطوة من خطوات كثيرة قد يحتذى عليها. ولكن الحكومات العربية غالباً ما تشغلها مشكلات أخرى. فالعراق انصرف إلى جبه داعش والاستفتاء الكردي. وغالباً ما تحول السياسة في هذه المنطقة من العالم دون حل المشكلات. فالدول فيها نادراً ما تُجمع على سبل تشاطر الأنهار وآبار المياه الجوفية. ففي غزة حيث يفاقم تسلل المياه المالحة والآسنة إلى الآبار المتقادمة أخطار الأوبئة، يعوق الحصار الإسرائيلي والمصري عليها، تشييد منشآت تكرير وتحليتها. ولا أمل في لبنان في أن تستبق الحكومة المتشظية آثار تدني مستوى موارد المياه.

والحق يقال أن بعض دول المنطقة يسعى إلى تقليص الانبعاثات الحرارية. فالمغرب على سبيل المثل، يشيد محطة طاقة شمسية ضخمة في الصحراء، وتفعل دبي المثل. وعلى رغم أن السعودية لن تتوقف عن تصدير النفط، تعد لتشييد محطة طاقة شمسية حجمها يفوق أضخم مثل هذه المنشآت اليوم بـ200 مرة. ولا شك في أن يد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قصيرة في تخفيف آثار التغير المناخي. ولكنها مضطرة لا محالة إلى التكيف.

* افتتاحية، عن «إيكونوميست» البريطانية، إعداد منال نحاس