صفوق الشمري
إعفاء أو تعيين مسؤول لا يعني أنه فاشل أو ناجح بقدر ما هي متطلبات المرحلة، نحن في خضم الرؤية فمن الطبيعي التغيير، بل هو أساسي لكل رؤية، وهذه ظاهرة صحية
«اِبْنِ مصداقيتك حتى لا تضطر إلى قول نفس الشيء مرتين قبل أن يصدقك الناس» مقولة إنجليزية.
يقول زيغ زيغلر «إن أهم أداة إقناع في كل ما تملك في ترسانتك من أدوات هي النزاهة»، هذا يقودني إلى حديث اليوم، وهو دخول وخروج المسؤول من المنصب.
عندما نشهد تغييرا في المناصب الحكومية فإننا نشهد تغييرا دراماتيكيا في آراء بعض الإعلاميين، فيبدأ النقد القاسي للمسؤول المعفى، وكأنه كان حجر عثرة في تطوير وزارته، وأنه سبب لكل المشاكل، بينما قبل الإقالة بأسبوع أو أسبوعين كانوا هم أنفسهم يعلقون قصائد المديح ويدبجون المقالات في مديح نفس المسؤول! صراحة تستغرب هذا التغيير المفاجئ من أناس كانوا إلى حتى وقت قريب يحضرون مناسبات وزارة المسؤول ويتغنون بإنجازاتها. وقلبوا عليه بعد الإقالة، قبل فترة تم تعيين أحد المسؤولين في منصب عالٍ، وصراحة استغربت التعيين نتيجة أن نفس المسؤول لم يكن ناجحا بشكل ملموس في المهمات التي أداها سابقا، بعض الزملاء قالوا إني متحامل عليه وهناك أمور نراها قد لا تراها، التزمت الصمت ولم أكتب عنه شخصيا أو أعماله طيلة بقائه في المنصب، مع أن إدارته كانت في تخبط واضح، وكان بعض الزملاء يقولون انتظر وسترى، ومرت الأيام والوضع يبدو بدون تحسن، وبعد الإقالة رأيت بعض الإعلاميين يشن عليه حملة شعواء! ماذا حدث؟، والرد أنه أعطي الفرصة ولم يستفد منها إلخ.
السؤال الذي يفرض نفسه، لماذا لم تنبه المسؤول عن الأخطاء بينما كان على الكرسي؟ هل البعض يخشى ضياع الحظوة عند المسؤول إذا نبهه أو نقد أداءه، البعض كان قريبا من المسؤول لا يفوت فرصة أو مناسبة أو عشاء للوزارة بدون أن يحضر، أليس من حق المسؤول عليك أخي الإعلامي أن تنبهه وتنقده لعل الصورة تأتيه صافية ويعدل وضع إدارته بما أنك أكلت معه عيشا وملحا!، أما إذا خشيت على علاقاتك وأخبارك مع الوزارة، فإن هجومك عليه بعد تركه الكرسي سيجرح مصداقيتك كصحفي وكإعلامي وأمانتك في نقل الصورة، سواء للقارئ أو المسؤول نفسه، فهو له حق أو حتى رئيس المسؤول لكي يقيم أداءه، أما جعل الصورة وردية وعندما يعفى تنقلب عليه بهذا الشكل فهذا لا يؤسس لصحافة محترفة، بل الأغرب من هذا كله هو أن نفس الجماعة من الإعلاميين بدؤوا بالتطبيل للمسؤول الجديد الذي أخذ مكانه، ويبدو أن نفس السيناريو سيعاد مع كل مسؤول جديد.
المشكلة التي نعانيها حاليا في بعض المسؤولين أنه المسؤول المسكين (واعذروني في كلمة المسكين) أصبح بين فريقين اثنين، فريق في نفس إدارته محترف تطبيل وبجعل الصورة وردية حول المسؤول، ويحاول وضع حواجز حوله لا تريه الواقع، ومحاولة التحريض على كل من يحاول شرح الصورة الواعية له، أما الفريق الثاني فبعض القلة من الإعلاميين الذين أيضا يتفننون بتطبيل الصورة، ويصير المسؤول بين الفريقين وبالعامية (واحد يصلح والثاني يكبس) فيفقد القدرة على الاتصال بالواقع، وعندما يقل أداء إدارته ولا يحقق الأهداف التي وضع من أجلها ويعفى يقلبون عليه ويبدؤون بنفس العملية على وزن (اللي بعده!).
إن إعفاء أو تعيين مسؤول لا يعني أنه فاشل أو ناجح بقدر ما هي متطلبات المرحلة، نحن في خضم الرؤية فمن الطبيعي التغيير، بل هو أساسي لكل رؤية، وهذه ظاهرة صحية التعديل من وقت إلى آخر، لأنه لا يمكن أن تصبح الرؤية متكاملة بدون القدرة على تكييفها من وقت إلى آخر حسب الظروف والأحداث والمتطلبات، وهذا أساس الرؤية الديناميكية الناجحة
.
النوعية الثانية من الإعلاميين هم من يسميهم البعض بالإعلاميين المؤثرين، وأصحاب باع طويل في الإعلام للأسف أصبحت كتابات بعضهم وحديثه تصفيف كلام بطريقة محترفة وجميلة، بسبب الخبرة أكثر من أنها مقالات مؤثرة وأفكار عميقة، نفس مواضيع تويتر، لكن يصفها بطريقة أكثر احترافية من العامة في تويتر بسبب فارق الخبرة، لكن لا ترى شيئا جديدا أو مميزا أو فريدا أو إبداعا، مجرد تصفيف كلام بشكل منمق، وكأن كتاباته أصبحت ما يطلبه التويتريون، لكن على شكل مقالات، إذا كان صحيحا أن الإعلامي يستحق لقب (الكاتب الكبير)، كما يقدم بعض هؤلاء للصحافة والإعلام، فالكاتب الكبير هو كاتب أفكار، وكاتب يجعلك تفكر عدة مرات في المقال، وهناك غموض وبحث وحيرة في الفكرة، وأيضا وجود أفكار بكر وخلاقة، وأن تكون كمن يلقي حجرا في المياه الراكدة. جزء من مهمته أن يجعل المجتمع يتطور في طرح أفكار تساعد على بناء السعودية الجديدة، نحن نعيش في ثورة من التقدم والقفز، نحو التطور والمستقبل، ونحتاج لأفكار بنفس مستوى الطموح والنقاش والتطور الذي نسعى إليه، من حق الوطن ومن حق قائد الرؤية علينا أن نسانده بطرح المبادرات والأفكار الخلاقة التي توجه وتعدل وتصقل وتطور الرؤية، فمهما كان عدة عيون أفضل رؤية من عين واحدة. التفسير الذي يتبادر للذهن أنه لماذا يعيد بتنميق بعض الكتاب والإعلاميين المؤثرين ما يكتب في تويتر دون إضافات مهمة؟ هو أنهم لا يملكون ثقافة متسعة وأفكارا جديدة، أو أن أفكارهم عفى عليها الزمن، لذلك يحاولون تعويض النقص بالمبالغة بالمدح وتنميق الكلام، وهذا يذكرنا تاريخيا بعصر السجع، أو عندما انخفض مستوى الشعر والقصيدة العربية، وتم استبدال هذا الضعف بكثرة السجع، لأن هيكلية القصيدة وقلة الأفكار فيها جعلتاهم يحاولون التعويض، لكن الحقيقية ما زال تاريخيا يسمى عصر تدهور القصيدة العربية، لأن الناس فهموا العملية حتى وإن كان أعجبهم السجع في البداية، لكن مع الوقت عرفوا أنه ترديد أكثر من أنه أدب، وهذا ما يحصل من البعض حاليا قد يفرح مؤقتا بالتفاعل في تويتر، ويحس أنه يقوم بالتطبيل للمسؤولين، وكأنه أدى واجبه، لكن الناس أذكياء، والسؤال أين الأفكار التي ستساعد على نهضة البلد أيها الكاتب الكبير؟
فقط مجرد التفكير لبرهة تصل إلى استنتاج أن العقلية العظيمة ورجل التاريخ الذي فكر وخطط وأسس لهذا التغيير الهائل ووضع أسس السعودية الجديدة، والتي قلبت تاريخ المنطقة رأسا على عقب، لا يحتاج مجاملات، التاريخ سينصف أبا فهد، وهو بخبرته في الأدب والتاريخ والرجال يعرف حتما من يكتب ويجامل لمجرد المجاملة وملء الفراغ، ومن يضيف بفعالية للسعودية الجديدة التي أسسها مع ابنه ولي العهد، فآمل من الإعلاميين أن يكونوا على هذا المستوى من الرقي في الطرح والأفكار، ومن لا يملك إضافات نوعية فالأفضل أن ينتظر حتى يصل إلى مستوى يليق برؤية المملكة، بدلا من محاولة مجاراة العامة وترديد السجع المستهلك.
التعليقات