مصطفى زين 

اللعنة الأوروبية تلاحق السياسيين البريطانيين. لعنة ليست وليدة اللحظة. أيديولوجيتها تعود إلى عصور تاريخية قديمة. وإلى أيام التنافس على زعامة القارة، وعلى المستعمرات في أميركا وإفريقيا وآسيا. ايام كان أسطول الإمبراطورية يجوب البحار ويخوض معارك ضد الفرنسيين والإسبان. وأيام كانت تتقاسم العالم مع منافسيها. الحربان العالميتان كانتا بسبب هذا التنافس. الأولى وقعت بسبب الخوف من بيسمارك وتوحيد ألمانيا، والثانية كانت بسبب إلغاء هتلر معاهدة فرساي التي أغرقت بلاده في الفقر، ونزعته التوسعية في القارة وخارجها، وتوجهه إلى المنافسة على المستعمرات، مستعيناً بالعصبية القومية الناهضة في تلك الأيام.


يقول سياسي إنكليزي لولا الولايات المتحدة لكنا نتكلم الألمانية الآن. أي لكانوا خضعوا لهتلر وشاركوه مستعمراتهم ونهب العالم. ويضيف ان صمود لندن في الحربين كان بفضل أميركا وتعاونها ضد العدو المشترك.

هذا جزء بسيط من خلفية الأيديولوجيا البريطانية المعادية لأوروبا. عداء لا يقتصر على اليمين، فاليسار أيضاً مؤدلج في هذا الإتجاه. في الخمسينات عندما أنشئت السوق الأوروبية المشتركة كان رفض الإنتساب إليها شبه كامل في المملكة المتحدة. عارضه رئيس الوزراء العمالي آنذاك هارولد ويلسون في البداية ثم وافق على هذه الخطوة. أما في الثمانينات فإن رئيسة الوزراء المحافظة مارغريت ثاتشر كانت تقول :»لم نقلص حدود سلطة الدولة بنجاح في بلادنا كي تُفرض علينا سلطة جديدة من بروكسيل». وساهم موقفها هذا في انقسام حزب المحافظين وفي إطاحتها من الحكم. واليوم تخوض تيريزا ماي معركة قاسية مع المعادين لأوروبا قد تنتهي بإطاحتها، فاليمين المتمسك بالإنفصال عن الاتحاد الأوروبي متحالف ضدها مع الجناح الأكثر يسارية في حزب العمال بزعامة جيريمي كوربن. وموقف كوربن ليس جديداً فقد كان الزعيمان العماليان مايكل فوت وتوني بن في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي من اشد المعارضين للسوق المشتركة ثم للاتحاد.

بالنسبة إلى اليمين بريطانيا ليست أوروبية، على رغم وقوعها في القارة القديمة، بل هي أكبر من هذه المساحة الجغرافية، العالم كله مجال نشاطها الثقافي والتجاري. وعلاقاتها بأبنائها (الأميركيين)عبر المحيط، بجيوشهم ونفوذهم هي الأساس وليست أوروبا. لذا يجب أن تكون ضد اقتراح بروكسيل تأسيس جيش أوروبي خاص، وتتصلب في مسألة الخروج من الاتحاد كي تعود إلى التجارة مع «العالم كله» من دون قيود القوانين التي تفرضها المفوضية الأوروبية. ومنها قوانين حرية التنقل والعمل وحقوق العمال والمهاجرين والخدمات. ويلقى موقفها هذا دعماً غير محدود من الرئيس ترامب الذي لم يخف تأييده للسياسيين الأكثر عداء لأوروبا، مثل وزير الخارجية السابق بوريس جونسون، والزعيم اليميني المتطرف نايجيل فراج، مدعياً أن الشعب البريطاني كله يحبه، على ما قال عشية زيارته لندن.

إن النقاش الدائر في الأوساط الإعلامية والسياسية والأكاديمية في المملكة المتحدة واستفتاء عام 2016، الذي أسفر عن فوز المعادين لأوروبا ليس سوى استمرار للجدل في هذه الأوساط منذ أكثر من خمسين عاماً، شعاراته المرفوعة: السيادة والاستقلال والعالمية والإنفتاح التجاري على كل الدول، كلها جزء من الأيديولوجيا الإمبراطورية البريطانية المتجذرة في أوساط معظم اليمين وبعض اليسار.