أصيل الجعيد

حتى لو كان هناك نص شرعي غير محدد للعقوبة يجرم الاعتداء، فلا بد للمشرّع السعودي أن يضع قانونا للاعتداء اللفظي والجسدي، ويقسم فيه تلك الجرائم إلى درجات

حدثت قصة محزنة في الرياض مؤخرا، فقد صفع شخص عامل نظافة، وانتشر فيديو الحادثة، واستنكره المجتمع السعودي، فليست هذه طباعه وعاداته. 
القصة لها جانب قانوني جنائي أعقد من ذلك بكثير. 
نصت المادة الثامنة والثلاثون من قانون الحكم الأساسي على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على نص نظامي أو شرعي، ولو تأملنا هذه الحادثة، لوجدنا عدم وجود نص قانوني، لكن يوجد نص شرعي بقوله تعالى: «ولا تعتدوا»، وكذلك مقاصد الشريعة الإسلامية بشكل عام، لكنه نص غير محدد للعقوبة، وهذه نقطة مهمة جدا. 
فالحكومة السعودية المستنيرة، عندما أصدرت قانون التحرش قبل قيادة المرأة، أرادت إرسال رسالة واضحة، بأن​ من يتحرش ستكون هناك عقوبات صارمة، لا يحددها القاضي، بل يحددها المشرّع السعودي، فعِلْم الشارع السعودي بها مسبقا يحصل به الردع العام. 
لذلك، حتى لو كان هناك نص شرعي غير محدد للعقوبة يجرّم الاعتداء، فلا بد للمشرّع السعودي أن يضع قانونا للاعتداء اللفظي والجسدي، ويقسّم فيه تلك الجرائم إلى درجات 
ولكل درجة عقوبة أقصى وأدنى، ويختار منها القاضي ما يشاء حسب حيثيات القضية، 
وعِلْمُ الشارع السعودي بذلك سيحقق الردع العام المطلوب في قضايا الاعتداء، وغيرها من القضايا كالقتل. 
فترك الوصف الجرمي للنيابة العامة -هذا خارج عن سلطتها القضائية ويمتد إلى السلطة التشريعية- وترك تحديد العقوبة للقاضي يجعل الأوصاف الجرمية غير منضبطة، ويجعل العقوبة كذلك غير منضبطة، مما يقلل من الردع العام الذي يتأتى مع نشر القانون 
وإعلانه للناس، ليعلموا أن هناك عواقب وخيمة تنتظر من يخالف القانون، وهذا يتماشى مع سياسة النيابة العامة مؤخرا في حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي، حيث تنشر القانون السعودي الجنائي، وتدلل على العقوبات حتى يتحقق الردع العام، كما أن عدم وجود نظام خاص بالسوابق القضائية يجعل الوضع غير منضبط -لا نحتاج إلى السوابق القضائية أساسا إذا أوجدنا ​نظاما جنائيا مقننا- من ناحية الأحكام القضائية في قضايا الاعتداء اللفظي والجسدي. 
فالعقوبة من القاضي تتم دراستها في وقت محدود جدا، وهذا غير ما يحدث في الدراسات التشريعية القانونية التي تتم فيها دراسة العقوبة، والأوصاف الجرمية لمدة طويلة، ومن مختصين بعلم الإجرام والعقاب، وقانونيين. 
لذا، فعلى مشرّعنا السعودي الحكيم وضع قانون سعودي للاعتداء والقتل، وغيره من الجرائم، نباهي به الأمم الأخرى.