زياد آل الشيخ
المقصود بالتحدي الإستراتيجي عادة هو المشكلة التي جاءت الإستراتيجية لمواجهتها؛ أما التحدي الإستراتيجي هنا فأعني به غير ذلك.
التحدي الإستراتيجي هو التحدي الذي تواجهه الإستراتيجية نفسها في تحقيق أهدافها. فإن الإستراتيجية غالبا ما تواجه تحديات تنفيذية، كأن يصعب على إدارة معينة تطبيق الإستراتيجية إما لعدم وجود المعرفة أو المهارة. أما التحدي الآخر غير التنفيذي فهو تحدي الرؤية، وهو التحدي الأصعب برأيي.
تحدي الرؤية هو ما يفسر نجاح الإستراتيجية أو فشلها من منظور الرؤية التي تترجم إلى أهداف. في حالة حرب رمضان، استطاع الجيش المصري عبور خط بارليف وتدميره لكنه فشل في تطوير الهجوم إلى المضايق. هل يمكن الحكم على إستراتيجية المعركة بالنجاح أو الفشل دون النظر إلى الرؤية التي ولَّدت الإستراتيجية؟ لا يمكن الحكم على إستراتيجية بالنجاح أو الفشل دون النظر إلى الرؤية التي أنبتتها، وتطوير الرؤية وتثبيتها أمر تغفل عنه الإستراتيجية عادة. ما يحدث هو الاتفاق غير الرسمي حول الفائدة من الإستراتيجية حتى تتولد أهداف الإستراتيجية ومؤشراتها فتصبح هي مناط الحكم. إلا أن الخلاف حول نجاح الإستراتيجية أو فشلها لا يأتي من النظر داخل الإستراتيجية فقط بل من خارجها كذلك.
إذا نظرنا إلى إستراتيجية حرب رمضان باعتبارها المثال التطبيقي لما نحن بصدده، لوجدنا أن الرؤية التي انبثقت منها الإستراتيجية هي الفوز في الحرب. والانتصار في الحرب يعني طرد العدو من الأراضي المحتلة في حرب 67، وإن كان استرداد سيناء كانتصار مقبولاً في تلك الفترة، فإن معنى الانتصار يختلف لو كانت الإجابة عن معنى الانتصار قبل النكسة، حيث كانت الطموحات أعلى والتطلعات أكبر. هكذا تتقلص الرؤية أو تتسع حسب السياق الزمني وربما التاريخي الذي نضع الإستراتيجية فيه. من هذا المنطلق وبالنظر إلى إمكانيات المرحلة كان معنى الانتصار في حرب رمضان يتراوح ضيقا واتساعا بين تدمير خط بارليف وتطوير الهجوم إلى المضايق؛ وبذلك يكون الفرق بين المعنيين هو الفرق بين النجاح والفشل والهزيمة والانتصار.
إن تعريف معنى النجاح ومعنى الفشل بدقة قبل وضع الإستراتيجية هو الخطوة الأولى لتحقيق الفائدة كالفوز بالحرب أو زيادة الأرباح، إلخ.
في كثير من الأحيان تكون الأهداف العامة المنبثقة من الرؤية معروفة وراسخة قبل صناعة الإستراتيجية، إلا أن الخطأ فيها يأتي بتكاليف باهضة. كما أن معرفة الفائدة المرجوة من الإستراتيجية ليس كافيا إذا كانت عامة مثل الفوز في الحرب أو زيادة الأرباح، بل على وصف الفائدة أن يكون أكثر تحديدا، مثل تدمير خط بارليف وعبور القناة، وزيادة الأرباح بنسبة كذا سنويا. قد يعبر عن ذلك بالمستهدفات التي تربط بمؤشرات الأداء، إلا أن هذه المؤشرات غالبا ما تأتي لاحقا لقياس أهداف الإستراتيجية من الداخل، مثل عدد الدبابات التي دمرت وعدد الطائرات التي أسقطت، إلخ؛ فلا تصيب المعنى الأكبر.
التعليقات