مسرح اللامعقول: حامي الدين.. بنكيران .. ومانديلا..

نورالدين برحيلة

 يعيش مسرح اللامعقول ذروته في المغرب هذه الأيام، فبُعَـيْدَ صدور الأحكام القاسية ضد معتقلي حراك الريف، الذين فضحوا غابة الفساد الرهيبة، وأزاحوا الستار عن جثة المشروع التنموي الكسيح.. وما تلاه من أحداث إعفاءات لوزراء ومسؤولين، اتسمت بالانتقائية، وغيَّبتْ تفعيل ربط المحاسبة بالمسؤولية.. الأدهى والأمر أن نشطاء الريف الذين احتجوا ضد الفساد، كان مصيرهم سنوات مديدة من السجن.. والهدف واضح حماية الفساد، وتكميم الأفواه.

جُلُّ المغاربة، استنكروا هذه الأحكام، وأصدروا حكما شعبيا يقضي ببراءة المعتقلين من التهم الثقيلة التي حوكموا بمقتضاها، وأخطرها "المس بأمن الدولة".. هكذا انتقد معظم الشعب المغربي تلك الأحكام بأشكال متنوعة: وقفات احتجاجية، منصات وسائل الإعلام غير الرسمية، مواقع التواصل الاجتماعي، ندوات، مقالات.. والمطالبة بضرورة إطلاق سراح المعتقلين وعدم جرِّ المغرب إلى سنوات جمر ورصاص جديدة.

محاربة الفساد والاستبداد، هو الشعار السحري الذي دفع الكثير من المغاربة، للتصويت على حزب العدالة والتنمية، أملا في مغرب ديمقراطي، وعقابا للأحزاب المخزنية التي فقدت مصداقيتها، بعدما راكمت تاريخا طويلا من الضحك على المواطنين، واستغلال الحقل السياسي لقطف ما لذ وطاب من الثروات والامتيازات، وإغراق الشعب المغربي في الفقر والأمية والمرض والهشاشة..

غير أن خيبات الأمل المنتظمة.. سيواصلها حزب "الصباح" من خلال ترسانة ضخمة من القرارات السياسية الخاطئة، بعدما تذوق ساسته "حلاوة السلطة" وهي مختلفة تماما عن "حلاوة الإيمان" وبما أن تلكم القرارات عمقت أزمات الشعب المغربي ومآسيه، اتخذ أغلب المغاربة موقفا جاهزا واضحا من الانتخابات عنوانه: "المقاطعة".. وفي ظل تفاقم خسارة حزب العدالة والتنمية لشعبيته، شرع ذهاقنته في ضخ حكايات غير محبوكة جيدا، هي أشبه بحملات انتخابية سابقة لأوانها، لكن حزب العدالة والتنمية لن يجرأ للدعوة إلى انتخابات مبكرة كما فعل أردوغان لأن النتيجة ستكون ضربة قاضية من طرف المغاربة.

وبما أنه يتعذر العثور على سلوك منطقي من طرف "نجوم" مسرح اللالمعقول، فقد حاول بعض المريدين تلميع صورهم الباهتة، وإعادة الحياة إلى أحزابهم الميتة، وهم يسابقون الزمن الميت ويركضون "لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتهم فيه".. لقد استشعروا أخيرا أن الأغلبية الساحقة من الشعب المغربي المقهور، استوعبت الدرس جيدا وأدركت أنه ليس في القنافذ أملس، وأن ضجيج القضاء على الفساد والاستبداد، ما هو إلا وعد عرقوب.

لقد مات حزب العدالة والتنمية، قلتها في مقالات سابقة، وأكررها، أما ما يُروِّجه بعض قيادييه من أنه مازال يشكل رقما صعبا في المشهد السياسي المغربي، وأنه سيتصدر الانتخابات المقبلة، وغيرها من الخطابات التي تنتمي إلى الكذب السياسي الفُصامي.. حتى إذا سلمنا بوجود علاقة تاريخية وثيقة بين الكذب والسياسة، فصَّل فيها القول الكثير من الفلاسفة أمثال: كويري، نيتشه، حنا أرندت، جاك دريدا..، لكن ليس بهذا الكذب الساذج البليد.. عِلما أن الكذب السياسي يجعل الشعب يفقد المصداقية في الساسة والسياسيين، ويُسَرِّعُ وثيرة انهيار الثقة في المجتمع السياسي، حيث تصبح السياسة مرادفا للخداع والخيانة والاحتيال والاستخفاف بذكاء الجماهير..

هكذا وتملُّصا من تحمل مسؤولية الفشل الذريع في استمرار تردي الأوضاع واستفحال الفساد الشامل في كل القطاعات، تعليم فاشل، قطاع صحة مشلول، ازدياد عدد العاطلين والمدمين، والمشردين والمتسولين... وقائمة الأزمات تمتد في كل الاتجاهات.. أمام هذا المشهد اللامعقول اختار السيد حامي الدين تحميل المسؤولية للمؤسسة الملكية بشكلها الحالي الذي يعتبر معيقا للتقدم والتنمية والتطور، وهذا كلام حق أريد به باطل.

كيف؟

نعم المؤسسة الملكية تحتاج إلى إصلاح لمهامها ووظائفها، لتصبح ملكية دستورية برلمانية، حيث الملك يسود ولا يحكم، على غرار الملكيات الديمقراطية، وتشكل الملكية فيها رمزا هوياتيا، وتتحمل الحكومة التي اختارها الشعب مسؤولية قراراتها، أما النظام الملكي المغربي الحالي فيشكل ملكية تنفيذية، يحتفظ فيها الملك بالكثير من السلط، كحق التعيين في المناصب العليا، وتعيين وزراء بشكل مباشر، وغيرها من السلط الملكية، التي لا تسمح بإنجاز المشروع الديمقراطي، وتعطي الفرصة للحكومات الفاشلة مبرر فشلها بكونها لا تمتلك القرار السياسي.

مطلب إصلاح المؤسسة الملكية، نادى به الكثير من النخب والفاعلين السياسيين والحقوقيين غداة الاستقلال، من أجل تحقيق الديمقراطية المنتظرة، لكن استخدام هذا المطلب من طرف السيد حامي الدين بهدف استرجاع شعبية حزبه المنهارة، لم يعد ممكنا الآن، لأن انفتاح المغاربة على وسائل الإعلام العالمية بواسطة "النت" ومواقع التواصل الاجتماعي، عمق وعيهم السياسي، وقدرتهم على المقارنة الواقعية بين إنجازات حزب مصباح أردوغان في تركيا وحكومته المصغرة التي تضم فقط ستة عشر وزيرا، وحكومة العثماني التي تضم زهاء أربعين وزيرا؟؟؟

أما تشبيه السيد بنكيران بالمناضل نيلسون مانديلا Nelson Mandela، فيستدعي الرجوع إلى السيرة الذاتية للزعيم مانديلا، الذي قضى سبعة وعشرين سنة في السجن يتحمل مرارة الظلم وألم المرض، ولم يُساوم على قناعاته، مع استماتته في فضح جرائم الميز العنصري، والدفاع عن حق السود المشروع في المواطنة الكاملة والترقي الاجتماعي والعيش الكريم، مما جعله يكسب تعاطف المجتمع الدولي الذي ضغط على الرئيس فريدريك ويليام دى كليرك Frederik Willem de Klerk وتمت عملية إطلاق سراح الزعيم مانديلا معية كل معتقلي الرأي دون شروط، وحظي باحترام العالم لجرأته وصلابته ومواقفه السياسية، باختصار تحول مانديلا إلى أسطورة ودخل التاريخ الإنساني، لأنه ساهم في صناعة تاريخ وطنه، عبر الدفاع عن القيم الإنسانية ضد انتهاك حقوق الإنسان، ضد الطغيان والظلم والإقصاء والاستعلاء.. وهو بذلك ساهم في صناعة جزء مستنير في التاريخ الإنساني المتفائل بإمكانية انتصار الخير والسلم على الشر والطغيان.

بالمناسبة، كنت مؤخرا قد أنهيت كتابة نص مسرحي سياسي ينتمي إلى مسرح اللامعقول، المسرحية تحمل عنوان : " سقوط أوراق الخريف في محاكمة حراك الريف.." أختار منها هذا المقطع لكونه يتناسب مع موضوع المقال.

ساداتي القراء الكرام المسرحية تنتمي إلى مسرح اللامعقول، لذلك لا داعي للاحتجاج على التناقضات في أقوال وأفعال شخصيات المسرحية، ثم لماذا الاحتجاج أصلا؟ فالمسألة لا تعدو أن تكون تمثيلية أدوارها مفروضة سلفا في كواليس مسرح "المخزن الكبير" بالعاصمة الرباط (الدخول ليس للعموم).. وأهمية هامش الحرية في المسرحية مَهْمَا وظَّفه الممثلون بطاعة وإتقان وإبداع وتفان، كالتحول من الضحك إلى البكاء والصراخ والنواح، أو لعِب دور الراقصة في مخدع نوم المخزن، وغيرها من شعائر الخشوع والانبطاح والخضوع، لن تجعل مالك المسرح يسمح لهؤلاء الممثلين بالبقاء طويلا على الخشبة، فكل من على مسرح المخزن فانٍ.

يَدُلُّ المخزن على المستودع، وهذه الكلمة حمَّالةُ أوجه، على غرار العديد من الكلمات في اللغة العربية، كالعين التي تعني حاسة البصر، وتدل على الجاسوس الذي يُوظِّفُ بصره في الوشاية، كما تشير إلى ثقب الإبرة، وترمز لمنبع الماء.. كذلك "المستودع\المخزن" كلمة تحمل فائض المعنى، فهو فضاء مُغلق (له ظاهر وباطن) قلّما يُفتح، يُمْنَعُ الوقوف أمامه، المخزن له هيبة وأسرار وحضور، جاذبية ونفور، يستقطب النفيس والرخيص، الغث والسمين، العظيم والحقير، الحي والميت (مفارقة مستودع الأموات)..

المخزن هو لُعبة الأضداد بامتياز، يمكنه أن يتجاهل انتحار طفل في عقده الأول، في "تل أزرو" ويقوم بتعزية شمعون بيرز في "تل أبيب".. بيريز الذي قتل العديد من الأطفال الفلسطينيين... يمكن للمخزن أن يعطي لأحزاب السراب دعما بالملايين من أجل الدعاية للمسرحية الانتخابية، ورمي الأطنان من الأوراق الدعائية والاستدعائية، بتزامن مع الدخول المدرسي حيث الكثير من التلاميذ والطلبة لا يستطيعون شراء الأوراق والدفاتر والكتب المدرسية..

يمكن للمخزن أن يتسامح مع المجرم الإسباني دانييل كالفان المدان باغتصاب الكثير من الأطفال المغاربة، واغتصاب كرامة الوطن والمواطنين، وأن يحاكم بعشرين سنة من يدافع عن كرامة المغرب والمغاربة.

يمكن للمخزن أن يتجاهل طفلة طريحة الفراش تتألم في مستشفى عمومي بئيس، تستجدي ثمن العلاج والدواء في الفضاء الأزرق، ويُغْدِق العطاء لفتاة أوربية مغمورة في الرقص والغناء.. في الفضاء الأحمر.. صدق نيتشه هذا العالَم مُلوَّنُ نحن مُلوِّنوه.

المخزن أشبه بلعبة الشطرنج، كل قطعه ماكرة، والبيادق الصغيرة يمكنها في رقعة شطرنج المخزن أن تُحرَّك عن بُعْد، وتحظى بالبطولات والأضواء، لِتُلْقى في نهاية المسرحية في مزبلة "تاريخ المخزن"، لا يشفع لها الإخلاص والوفاء، وهو ما يُسمى في العلوم الشطرنجية بمكر الشطرنج على غرار "مكر التاريخ" عند الفيلسوف الألماني هيجل، وبالمناسبة هذا الفيلسوف من أكبر منظري الدولة، وفلسفته شكَّلتْ البركان الذي سيُفجِّر ميلاد نيتشه والنازية وماركس والاشتراكية وحنا أرندت والديمقراطية الليبرالية.. فصول المسرحية الهيجلية متشعبة.. باختصار هيجل كبيرهم الذي علمهم السحر (سحر الأفكار).

قبل المشهد الأول:

القاضي يقرأ الأحكام بالقاعة سبعة وهو رقم يزخر بالكثير من الدلالات جهنم "لها سبعة أبواب".. "سبع عجاف".. أصبحنا نعيش السنوات العجاف.. سنوات خيبة الأمل في مغربٍ ديمقراطي..

بعد الحكم مباشرة تُمزِّق زغاريد أمهات المعتقلين صمت القاعة.. افتخارا بأبنائهم، وتنديدا بالأحكام القاسية.. إنها ليلة القضاء على القضاء..

ملاحظة: (أكرر هذه مشاهد من مسرح اللامعقول، ليس بين مشاهدها معقولية سردية).

يُرْفـــع الستار

ضوء خافت في المسرح، نفس المقاعد، نفس المواقِف، نفس الستائر، نفس الفضائح، نفس الخشبة، تبدأ دقات العصا التاريخية على الرُّكح، يرفع الستار، يظهر الشخص الممثل بنكيران يضعُ على وجهه قناعا.. نعم كلمة الشخص la personne مشتقة من الكلمة اللاتينية persona تدل على التنكر والقناع الذي يضعه الممثل على وجهه في اليونان القديمة، ليُناسِب الدور الذي يمثِّلُه، باختصار الإنسان "كائن ممثّل".

المشهد الأول: بنكيران يبحث عن بنكيران..

يُزيل الممثل بنكيران القناع عن وجهه.. يُغْمى على الجمهور من كثرة الذهول، ملامح الوجه بعيدة جدا عن المألوف.. الجماهير أصيبت بدهشة.. الدهشة بداية التفلسف.. رغم أكثر من نصف قرن من مسرح سياسة اللامعقول لم تتكيف جماهيرنا بعد مع مسرح اللامعقول..

على الخشبة يؤدي الكثير من الممثلين أدوار لعبة الغُمَّيضة، حيث يبدو السيد بنكيران واضعا عصابة على عينيه ويبحث عن المواطن السابق بنكيران.. يصيح بصوت حزين أينك أنت يا توأمي بنكيران.. أينك يا أخي بنكيران (الظاهرة تسمى في علم النفس بالبحث عن الذات في مسرح الأحداث)..

الوقائع؟

كان بنكيران في كل أدوار مسرح المخزن حريصا على إرضاء المخزن.. "لباس المخزن ولا الموت احْسن" .. وقد استطاع إدخال السياسة لكل بيت مغربي، حصد شعبية كبيرة، بشخصيته المثيرة للجدل، يعرفه الصغار والكبار، النساء والرجال، المثقفون والأميون.. لكن بعض الرواة يتهمونه بنشر الشعبوية السياسية.

بنكيران حذر من عفاريت وتماسيح الدولة العميقة الذين يريدون إفساد العلاقة بين الملك والشعب.. مردِّدا دائما أنه خادم وخديم الملك، معترفا أن الملك هو الذي يحكم المغرب، وليس رئيس الحكومة..مؤمنا بأن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، وحتى عندما دهس القطار صديق عمره ورفيق دربه عبدالله باها.. وَأَدَ فتنة التلميح بالاغتيال السياسي في مهدها.. التزاما بالنص المسرحي.. رغم أن الراحل عبد الله باها رفيق دربه وصديق العمر.. ألم يكن حريا أن يأمر بنكيران بفتح تحقيق معمق في وفاة أمين أسراره لمعرفة سر وفاته وموت البرلماني أحمد الشراط بنفس الواد "واد الشراط".. لو حدث هذا في أمريكا لفُتِحت تحقيقات تطال كبار المسؤولين بمن فيهم القائمين على مجلس الأمن القومي NSC ووكالة الاستخبارات الأمريكية CIA.

بنكيران لم يستطع في كل الأدوار محاربة الفساد، في المقابل لا أحد يستطيع أن يتهمه بالفساد.. ويداه نظيفتان من اختلاس المال العام، لكن الرواة "شيوخ النْظْر" يقولون إن الكثيرين من "المصباحيين" تموقعوا وانتقلوا من خانة "الإسلام البروليتاري" إلى موقعية "الإسلام الإقطاعي"..

فما الذي أغضب مسرح المخزن الكبير من الممثل بنكيران ؟

بنكيران الذي لم يستطع النجاح أمام أبسط امتحان "ربطة العنق" التي زيَّن بها عنقه بمجرد ما أصبح رئيسا للحكومة، في الوقت الذي كان المغاربة ينتظرون منه أن يضع "ربطة عُنُقٍ" على الفساد لخنقه ووضع حدٍّ لتدميره للمؤسسات المغربية، سيما وأن النسق أصبح فاشلا تعطلت وظائفه لاستفحال سرطان الفساد في مختلف مفاصل الوطن، غير أن بنكيران قال في تصريحه الشهير: لن أحارب العفاريت والتماسيح "وعفا الله عما سلف".

"عفا الله عما سلف" تعني منح "العفو الرئاسي" للمفسدين وناهبي المال العام، واستمرار مسلسل الفساد، وإفراغ الكثير من الصناديق، كصندوق التقاعد، ولجوء بنكيران إلى جيوب المواطنين لملء هذه الصناديق، اللجوء المُتكرِّر لركوب الحلول السهلة، على غِرار رفع سن التقاعد (65سنة) غير مدرك عواقب ومآلات هذا القرار الخطير في رفع معدل البطالة، وإطالة معاناة المرضى الذين تخلَّتْ عنهم مؤسساتهم بسبب حوادث الشغل أو أمراض مزمنة كالعمى السكري، وعجزهم عن إعالة أسرهم، وانتظارهم المرير بلوغ خريف العمر "ستين سنة" للحصول هلى معاش هزيل، فإذا بهم يُصْعـقون بأنه عليهم الانتظار خمس سنوات إضافية، والحالات كثيرة من بؤساء التقاعد، عِلما أن رفع الرئيس الروسي بوتين سن التقاعد هو أكبر سبب في انخفاض شعبيته، رغم إنجازاته الكثيرة للشعب الروسي.

توالت القرارات الخاطئة للسيد بنكيران، من بينها الرفع في ثمن المحروقات وما صاحبه في ارتفاع أسعار المنتجات والخدمات، وكلما وُجّه إليه انتقاد شعبي (مع نقطة موضوعية تكمن في رحابة صدره وعدم تهديد خصومه بالمتابعة القضائية، وعدم تضييقه على الحريات)، أُكرٍّرُ كلما اتخذ بنكيران قرارا غير شعبي إلا وتقلصت قاعدته الجماهيرية، متعلّلا بأنه مجرد خادم للملك، في تخلٍّ غير مفهومٍ عن صلاحياته الدستورية.

كان بإمكان السيد بنكيران، أن يُقدم استقالته باكرا من الحكومة، مع عقْد ندوة صحفية يُصرّح عبرها بالضغوطات الممارسة عليه وتسمية الأشياء بمسمياتها، والرجوع إلى صف المعارضة، خصوصا في مرحلة "البلوكاج" حيث نال تعاطف معظم المغاربة، أمام رغبة بعض الأحزاب الضعيفة فرض سيطرتها على الحكومة الثانية الناشئة، حينها سيكسب احترام الشعب المغربي، وستزداد شعبيته، ويكون جديرا بالاحترام.

توالت قرارات بنكيران السياسية الخاطئة وأصبحت "ربطة العنق" تضيق الخناق على رقبتِة، وتخلى عنه أقرب الأصدقاء، لقد أضاع "ثقة الجماهير" حين كسر "جوزة الشعب" بأسنانه ليتناول لُبَّ السلطة، لكنه كسر أسنانه لأن "جوزة الشعب" أكثر صلابة، وصلابتها تزداد في الكثير من المواقف أكثرها إشراقا "المُقاطعة" المتمدّنة، كاحتجاج سلمي ضد الاستنزاف والاستخفاف..والمطالبة بالعيش الكريم.. لأن الشعوب لا تموت بالجوع وإنما بالذل والهوان..

أليس ذُلاًّ وهوانا أن ينفي وزير الشغل عن حزب العدالة والتنمية السيد يتيم تعرض العاملات المغربيات للتحرش والاغتصاب الجنسي والعبودية في حقول الفراولة بإسبانيا، في الوقت الذي شجبت منظمات وجمعيات حقوقية إسبانيا انتهاك حقوق العاملات المغربيات واستعبادهن!؟

لقد أخطأ السيد بنكيران في اختيار حلفائه السياسيين، وانضم لحزب العدالة والتنمية الكثير من الانتهازيين على غرار كل حزب يحصد نجاحا، وغابت عن الحزب الديمقراطية الداخلية بإقصائه للكثير من الكفاءات وتبنيه الريع السياسي القائم على الولاءات، كل هذه الأخطاء وقعت شهادة موت حزب العدالة والتنمية، بعدما استنزف خذلانه للشعب المغربي وتشبثه المحموم بالسلطة رصيده الشعبي.

نعم "مراحل الانتقال تحتاج إلى شخصيات قوية مسنودة من طرف الشارع" مثل نيلسون مانديلا وأردوغان.. شخصيات تصطف إلى جانب الشعب، وتطهر البلاد من الفساد وتحقق الرفاهية للعباد، وليس بنكيران وجماعة الإخوان.. لذا كفى من الاستحمار والبهتان.