سكينة فؤاد

لم يمض إلا عام واحد وتكاد تتحول بطولات وتضحيات مجموعة من أشرف وأنبل أبناء مصر إلى ذكرى سلام على أسطورة الصاعقة والكتيبة 103 المنسى والمغربى والشبراوى والشاذلى ورامى حسانين ووائل كمال ومن سبقوهم والآتون بعدهم من خير أجناد الأرض الذين يضحون بحياتهم حماية لوطنهم وعزته وكرامته ولا حماية للصوص والفسدة والناهبين!

لا يمكن القبول بمشهد يستشهد فيه أشرف أبناء مصر ليحيا ويستقوى الفاسد والمجرم وتتضاعف ثرواتهم بينما يزداد الفقراء فقرا والموجوعون وجعا بل ويتطور استقواء الفساد إلى التشكيك فى الأجهزة التى تشن الحرب عليه وتعد من أهم ما يحدث فى مصر الآن فى مواجهة فساد توغل وتوحش ويحتمى بغياب القوانين والعقوبات القادرة على سد الثغرات ونقاط الضعف التى تغرى وتشجع على أن نرى كل يوم تساقط رءوس كبيرة.. محافظون ونوابهم ورؤساء مدن وأحياء ورؤساء مؤسسات كبرى تتحكم فى مليارات مضيعة ومهدرة ولا تسأل عن توابعهم من الفرافير وصغار الفاسدين.. وما يكتشف من جرائم وأرقام أموال ضائعة تمثل نسبة متواضعة قياسا إلى الأرقام الحقيقية!! وواحدة من عجائب ما يحدث أن أجهزة رقابية وقانونية لم تتوقف عن المطالبة بتعديل التشريعات التى تشرعن وتقنن وتحمى الفساد.. ألا تستحق معطيات هذا المشهد المؤسف وسط ما يعانيه المصريون من أزمات اقتصادية إجابات وإيضاحات..؟! أين من يمثلون الشعب من كل هذا الفساد ومن القوانين الغائبة وهل قام نواب الشعب بزيادة مكافآتهم الشهرية إلى 25 ألف جنيه؟! وهل قام سيادتهم بإعفاء أنفسهم من ضرائب كسب العمل التى يدفعها المواطنون؟! وهل يجمع بعض النواب بين ما يتقاضون فى المجلس ودخولهم من أعمال خارجية؟! وإذا كان هذا صحيحا فهل يتسق مع قوانين المجلس ومع الضغوط الاقتصادية التى يواجهها المواطن؟! وهناك سؤال لا يقل أهمية.. القيادات الفاسدة والتى يتوالى سقوطها فى شباك الرقابة الإدارية هل يتم تعيينها دون وجود أجهزة ترشحها وتطرح أسماءها وبعض رءوس الفساد سبقته وأحاطت به اتهامات كثيرة!! فى حلقة الثلاثاء الماضى من برنامج «بكره وبعده» للإعلامى الكبير جمال عنايت بعد إلقاء الرقابة الإدارية القبض على رئيس مصلحة الجمارك متلبسا بتقاضى رشوة بالعملات الأجنبية والمحلية.. فى البرنامج الإذاعى تواصل العديد من أبناء بورسعيد ليحكوا عجائب ومدهشات ما يعرفون من وقائع فساد ترتبط به.. ترى كم من المليارات ضاعت من أموال المصريين عبر رحلة عمل بدأت عام 1985 بكل المنافذ والمواقع الجمركية.. أتحدث عن حالة واحدة فقط!! ويظل السؤال المطلوب الإجابة عليه.. هل جرائم الفساد التى أراها فى مقدمة عوامل كثيرة لكسر العمود الفقرى للاقتصاد.. هل يجب أن تحاسب عليها القيادات والرءوس الفاسدة فقط أم على القدر نفسه من المسئولية ـ إن لم يكن أخطر وأكبر ـ من قاموا بترشيح مثل هذه النماذج؟! ألا يجب حساب من شارك فى ترشيحات قادت إلى آخر من يصلحون لتولى أمانة وتكليف المسئولية وخانوا الثقة التى تفرض ترشيح الأفكاء والأقدر وأصحاب الأيدى والصفحات البيضاء وما أكثرهم.. الكارثة أن يوضعوا دائما فى قوائم المستبعدين!! ولتدفع مصر من أمنها واستقرارها وتنزف مصادر ثرواتها بعيدا عن أمن واستحقاقات أبنائها من الطبقة الوسطى الحاملة للحياة والملايين الأكثر ألما وصمودا وصبرا من الأرصدة والظهير الشعبى الذين يحارب ويستشهد من أجلهم ومن أجل أن تحيا بلادهم عزيزة ومستقرة ومستقلة ولا تلحق مخططات الدمار التى تعصف بالمنطقة.. المنسى ورفاقه ومن قبلهم.. والآتون بعدهم.

وللفساد وجوه كثيرة من أخطرها ما يهدد الأمن القومى.. تحذيرات وصرخات تأتينى من ملايين وأصحاب مصالح فى استيراد الأرز ولكن خوفهم على أمن بلدهم أكبر ويخشون أن القرارات الخاصة بتحديد مساحة زراعة الأرز والسماح باستيراده أن تلحق به بما حدث للقمح والقطن!! أحدث التوقعات أن يصل سعر كيلو الأرز بكل ما يمثله من غذاء أساسى لجموع المصريين إلى 17 جنيها وأن الاحتياطى لا يتجاوز رصيده شهرين؟! فى واحدة من أهم الرسائل التى وصلتني:

«بعدما كنا بلدا زراعيا ولدينا اكتفاء ذاتى من القمح بل وأحيانا فائض للتصدير أصبحنا مرتعا لمافيا استيراد هذا المحصول الحيوى وملف القمح مليء بما يندى له الجبين من سوء الإدارة وانعدام التخطيط وعدم الحرص على الأمن القومى والمصلحة العامة ولن نتحدث عما حدث للقطن المصرى وما نتج من خراب لقلاع صناعات النسيج وتبديد موارد الدولة والكارثة تتكرر وتنذر بالأخطر فيما يسمى بالحفاظ على التوازن فى سوق الأرز بفتح باب استيراد الأرز الشعبى وهذه الكارثة معناها دعم المزارع الأجنبى على حساب الفلاح المصرى وإرهاق الميزانية باستنزاف العملة الأجنبية.. والإضرار بالأراضى الزراعية بمحافظات حزام الأرز وهى أراضى الدلتا المجاورة للبحر لزيادة ملوحتها وسرعة التصحر واحتمالات تدمير إنتاجية الأرز محليا فى حالة وصول شحنات تحتوى على آفات زراعية أو أمراض نبات غير موجودة بالبيئة المصريه ولنسأل فى هذا مراكز البحوث الزراعية التى نتمنى أن نرى مردودا لنتائج أبحاثها.

أسئلة كثيرة تفرض نفسها.. ما هو مستقبل القرار السياسى إذا لحق الأرز بالقمح وأصبح قوت الشعب الضرورى رهنا لمافيا الاستيراد والشركات العابرة للقارات.. وإذا كان الهدف هو الأمن المائى فلماذا لا تتجه الدولة لزراعة الأرز الجاف الذى ينتج فى 120 يوما ويستهلك أقل كميات من المياه!! وما هى وظيفة وزارة الزراعة ومسئوليتها مما يحدث من العبث بمقومات الأمن الغذائى وهو عصب الأمن القومى،انتهى ما جاء فى خطاب صادق فى مخاوفه وتحذيراته.

أرجو أن يتدارك القرار السياسى الظاهر والخفى من الأخطار والمهددات خاصة فى اختيار القيادات وفى أهمية وضرورة الاعتماد على الذات.