سالم سالمين النعيمي 

تعتبر زيارة الرئيس «شي جين بينغ» لدولة الإمارات العربية المتحدة نهاية الأسبوع الماضي، زيارة تاريخية بكل المقاييس، وقد تم خلال تبادل 13 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين، بهدف تعزيز الشراكة الاستراتيجية والتعاون الثنائي بينهما، وفتح آفاق جديدة للعمل المشترك في مختلف القطاعات، كالتجارة، والتجارة الإلكترونية، والطاقة، والثقافة، والزراعة والثروة الحيوانية، والشؤون الجمركية، وإنشاء منصات للخدمات المالية، والابتكار، والتعاون في القدرات الصناعية، والاستثمار في أكبر مشروع للطاقة الشمسية المركزة في العالم.

وقد سلطت زيارة الرئيس الصيني الضوء على علاقة وصلت إلى ذروتها، وهي تتصف بالاحترام المتبادل والصداقة والتعاون المربح للجانبين، علاقة استراتيجية صمدت أمام اختبار الزمن، لا سيما أن التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين سيصل إلى نحو 58 مليار دولار مع نهاية العام الجاري 2018، أي أنه تضاعف 8 مرات منذ عام 1984.

ومع نمو الاقتصاد الصيني، يعد تأمين إمدادات طاقة موثوقة وطويلة الأجل، هدفاً رئيساً للصينيين، وسيكون لمنح شركة الصين الوطنية للبترول حصصاً في امتيازات أبوظبي البحرية، دور كبير في توطيد العلاقة بين الجانبين.

ومن ناحية أخرى، تمثل الإمارات بوابة بين الشرق والغرب، وستلعب دوراً محورياً في تحقيق رؤية الحزام والطريق نطراً للقدرات اللوجستية المتطورة لمطاراتها وموانئها، كمركز تجاري حاسم يربط أوروبا وأفريقيا وآسيا، وهي أكبر معالج للحاويات في منطقة الشرق الأوسط، مع عدد من المرافق البحرية المتقدمة القادرة على نقل كمية كبيرة من البضائع، والتي ستخدم دمج الطرق البرية مع الممرات الملاحية في المشروع الصيني «الحزام والطريق» الذي ستضطلع دولة الإمارات بدور أساسي في إنجاحه، وكذلك في «طريق الحرير الرقمي» الذي سيشكل مفاجأة الجانبين للعالم مستقبلاً.

كما أن الإمارات كشريك تجاري للصين، تعد ثاني أكبر سوق تصدير في الشرق الأوسط، ومركزاً مهماً للتجارة والمنتجات الصينية. ويساهم في نمو التجارة بين الإمارات والصين وجود ما يقارب 4200 شركة صينية تعمل في الإمارات العربية المتحدة، ونحو 300 وكالة تجارية صينية، و5000 علامة تجارية صينية، كلها ممثلة في الإمارات، بما في ذلك بعض أكبر الشركات الصينية، فضلاً عن وجود «بنك الصين الشرق الأوسط» (دبي) الذي افتتح في عام 2013 كأول مؤسسة أعمال تم تأسيسها في منطقة الشرق الأوسط من قبل «بنك الصين».

وتشير التقديرات الأولية إلى أن الاستثمار الفعلي للصين في دولة الإمارات في عام 2017 تجاوز 3 مليارات دولار.

أما الاتفاق على مناطق حرة مشتركة متخصصة بين الطرفين، فسيضفي بعداً آخر على قوة الإمارات الاقتصادية في ظل وجود 40 منطقة حرة، لتشجيع الاستثمار الأجنبي من خلال تسهيل عمليات البدء، وإجراءات العمل والهجرة والخدمات القانونية الأخرى.

وتتمتع الإمارات العربية المتحدة بفرصة فريدة للعمل كطرف فاعل ومؤثر ضمن الدور الأوسع لـ«الرنمينبي» في التجارة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي.

وقد أكد «بنك الشعب الصيني» أن «البنك الزراعي الصيني» هو المشغل الرئيسي لبنك مقاصة الرنمينبي الجديد في دبي والتي ستكون قناة لتدفقات الأموال والرنمينبي إلى دول مجلس التعاون الخليجي وما وراءها، ناهيك عن وجود صندوق استثماري مشترك بقيمة 10 مليارات دولار تم إطلاقه في عام 2015 للتركيز على الاستثمارات التجارية المتنوعة في مجموعة من القطاعات الاقتصادية، خاصة أن لدى البنوك الأربعة الأولى في الصين، وجوداً في الإمارات، وهناك أكثر من 100 رحلة أسبوعية بين البلدين، وارتفاع عدد السياح الصينيين بنسبة 26 في المائة على أساس سنوي منذ عام 2016.

ومن المتوقع أن تصل التجارة الثنائية بين البلدين إلى 80 مليار دولار خلال العامين المقبلين. ولك أن تعلم أن مستويات التجارة العامة بين دبي والصين، تفوق الآن المستويات التي تمتلكها دبي مع الهند والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وسويسرا. كما مهدت التجارة المتزايدة مع الصين الطريق لزيادة السياحة والاستثمار العقاري الصينيين.

ومن المعلوم أن الصينيين هم رابع أكبر جنسية تزور الإمارات، ورابع أكبر مستثمر عقاري في الدولة، على غرار استثمار موانئ كوسكو للشحن الصينية 400 مليون دولار في بناء محطة حاويات في أبوظبي لتعزيز التجارة مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، كما يعتبر سوق التنين في دبي أكبر مركز تجاري للمنتجات الصينية خارج الصين.

ومن الناحية السياسية والعسكرية، فإن التعاون الصيني الإماراتي رابط استراتيجي تبنى عليه مشاريع حيوية ستعود بالنفع على المنطقة بأكملها، وتعزز الدبلوماسية الناعمة للصين في الوطن العربي ككل، وسيمهد الطريق لحقبة التحالف الصيني العربي الذي سيكون سبباً مباشر لتوازن القوى في هذا الجانب من العالم، والاستفادة من القفزة الصينية في مجال العلوم والمعرفة والتجارة الإلكترونية والعملات الرقمية وسباق تسليح الردع الذكي.. لذلك فهي زيارة تاريخية ستكون لها أصداؤها في العالم العربي، وسيكون لهذه العلاقة حضور مؤثر في سياسة المنطقة خلال العقود القادمة.