هشام محمود&&

في 25 من أيار (مايو) عام 2012 نشر موقع "سي إن بي سي" الاقتصادي مقالا أثار ضجة في حينها، بقلم روبرت فرانك وحمل عنوان "نقص في عدد النساء المليارديرات"، حيث كشف أن من بين 1226 مليارديرا في العالم في ذلك الحين كان عدد النساء المليارديرات 104 فقط، بنسبة لا تتجاوز 8.5 في المائة من إجمالي مليارديرات العالم، على الرغم من أن النساء يمثلن نصف سكان الكرة الأرضية، وأغلب المليارديرات حينها جنين ثرواتهن من الزواج أو تعويضات الطلاق أو الميراث، وقليل منهن كن يصنعن ثرواتهن بأنفسهن.
وبعد نحو ستة أعوام تحديدا في 7 آذار (مارس) 2018 نشر موقع ماركت واتش الاقتصادي الشهير مقالا بعنوان "الآن هناك مليارديرات نساء أكثر من أي وقت مضى"، فمن بين 2208 مليارديرات بلغ عدد النساء منهم 256 مليارديرة بنسبة تقترب من 12 في المائة.
ودخلت امرأتان نادي أغني 20 مليارديرا في العالم، كما أن من بين العدد الإجمالي للنساء المليارديرات في العالم هناك 72 امرأه صنعن ثرواتهن بأنفسهن.


والسؤال الطبيعي: ما الذي تغير لتزداد نسبة النساء في نادي المليارديرات العالمي؟ هل نحن أمام ظاهرة جديدة يتغير فيها مسار الثروة لتخرج من يد الرجال لتصب في حقائب النساء؟ هل نحن في مواجهة ظاهرة صحية يمكن أن تثري الاقتصاد العالمي، أم أن الأمر لم يتجاوز حدود مجموعة من النساء ولدن بمحض الصدفة في أسر ثرية أو تزوجن مليارديرات؟
وفقا لاتفاق تسوية الانفصال بين جيف بيزوس رئيس شركة أمازون أغني رجل في العالم الذي تبلغ ثروته 112 مليار دولار، مع زوجته السابقة ماكينزي، التي حصلت بمقتضاها على 4 في المائة من أسهم شركة أمازون، فإنها نالت ما قيمته 35.6 مليار دولار، لتجعلها ضمن أغنى عشر نساء على الأرض قاطبة، وتحتل المرتبة الثالثة ين النساء المليارديرات، لتسبقها في القائمة كل من فرانسواز مايرز وريثة شركة لوريال الفرنسية لمنتجات التجميل، وتمتلك أسرتها 33 في المائة من أسهم الشركة، وتبلغ ثروتها أكثر قليلا من 50 مليار دولار، تليها أليس والتون ابنة سام والتون مؤسس سلسلة متاجر التجزئة الأمريكية الشهيرة وول مارت، وتبلغ القيمة الصافية لثروتها 44.4 مليار دولار.&
وبالنسبة إلى الدكتورة مارجريت ديفيد أستاذة الاقتصاد الكلي في جامعة لندن، فإن تلك الأنباء ليست سارة فحسب إنما أيضا جيدة، وترصد لـ"الاقتصادية"، مجموعة من الظواهر في هذا المجال قائلة، "إنه على الرغم من أن غالبية المليارديرات ينتمين في الأساس إلى أسر ثرية، فإن أعدادا متزايدة صنعن أنفسهن بأنفسهن مثل المليارديرة الصينية تشو قونفي، وتبلغ ثروتها 7.8 مليار دولار، وتعود إلى شركة صناعة الهواتف الذكية التي أسستها، كما أن أعدادا أخرى من النساء قد يكن ورثن الغنى عن آبائهن أو أزواجهن، لكنهن لعبن دورا رئيسا وملحوظا في زيادة تلك الثروة، مثل الألمانية سوزان كلاتن وتبلغ ثروتها 25 مليار دولار".


ويرى بعض المختصين أن تركز النساء المنتميات إلى قائمة المليارديرات في الولايات المتحدة والصين يعود إلى عوامل موضوعية، بالنظر إلى أنهما أول وثاني أكبر اقتصادات العالم.
ويوضح لـ "الاقتصادية"، جيمس ريتشارد الباحث الاقتصادي أن "النمو الاقتصادي بطبيعة الحال يزيد من معدلات الثراء في المجتمع، لكن تزايد عدد النساء المليارديرات في العالم يعود في جزء كبير منه إلى عوامل أخرى، مرافقة للنمو الاقتصادي، أبرزها ارتفاع معدلات التعليم، وانضمام أعداد أكبر من النساء إلى المجال التعليمي، وإكمال جميع المراحل التعليمية، ويترافق ذلك عادة مع تحسن مستوى الطبقة المتوسطة الاقتصادي، وتبني مزيد من القيم الثقافية الحديثة، والتحرر الاقتصادي، وإدماج المرأة في السوق الاقتصادية بشكل أكثر كثافة ونشاطا، وإزالة القوانين المعوقة لحركة المرأة الاقتصادية، وكل تلك العوامل تسهم بقوة في رفع معدلات الثراء لدى قطاع كبير من النساء، وإذ لا تزال أعداد المليارديرات قليلة نسبيا، فإن أعدادهن بين المليونيرات في نمو متواصل، والولايات المتحدة نموذج على ذلك، إذ بلغن ما يراوح بين 37 و50 في المائة من فئة المليونيرات في أمريكا".
ومع هذا يتبنى بعض أستاذة الاقتصاد السلوكي ومن أبرزهم سوزان سميث من جامعة جلاسكو موقفا مغايرا لتفسير محدودية عدد المليارديرات من النساء مقارنة بالرجال.
وتقول لـ"الاقتصادية"، "إن النساء بصفة عامة أكثر كرها للمخاطرة من الرجال، والوصول إلى مرحلة المليونير وتطويرها صعودا في اتجاه الانضمام إلى فئة المليارديرات، يتضمن غالبا قرارا بتأسيس شركة، وبدء تشغيلها يتضمن في طياته مخاطر كبيرة، ومن ثم كراهية النساء للمجازفة ربما تكون أحد أسباب محدودية انضمام النساء إلى عالم المليارديرات".
وتضيف سميث، أن "تطوير ثروة إلى مرحلة المليارات يتطلب تركيزا مطلقا عبر العمل المكثف والمتواصل ولسنوات على فكرة محددة، وفي كثير من المجتمعات فإن المرأة يتعين عليها في كثير من الأحيان اتخاذ قرارات بشأن تكوين أسرة، وهذا يعقد وضع النساء فيما يتعلق بزيادة ثرائهن، بينما تكون المجتمعات منحازة ثقافيا إلى الرجل"، وتعتقد أن تكوين الثروة مسؤوليته، كما أن عالم المال لا يزال إلى حد كبير يهيمن عليه الذكور، ومن ثم توجد صعوبات حقيقية أمام النساء في العثور على رأس المال أو القروض أو الاستثمار اللازم للانطلاق إلى عالم المليارديرات.
لكن الأمر لا يتوقف عند زيادة عدد النساء المليارديرات في قائمة أثرياء العالم، بل يلاحظ أن عدد المليارديرات الآسيويات ينمو بدرجة أعلى من غيرهن في المجتمعات، خاصة في الصين وهونج كونج والهند، ويتوقع أن يرتفع إجمالي عدد المليارديرات في آسيا بنسبة 27 في المائة، ليصل إلى 1003 بحلول عام 2023، وهو ما يمثل أكثر من ثلث إجمالي فئة المليارديرات.&


ويوضح لـ"الاقتصادية"، ليفي دارن الاستشاري المصرفي والرئيس السابق لإدارة قسم الحسابات الخاصة في مجموعة "نت ويست" المصرفية، "قفز إجمالي الناتج المحلي العالمي من 30 تريليون دولار إلى أكثر من 77 تريليون دولار في الفترة ما بين عامي 1995 و2014، أما ثروة المليارديرات في كوكبنا فقد ارتفعت بنحو ثمانية أضعاف من 700 مليار دولار إلى 5.4 تريليون دولار، وقبل عشر سنوات كان في القارة الآسيوية ثلاث مليارديرات نساء فقط والآن هناك 25 أكثر من نصفهن رائدات أعمال من الجيل الأول".
ويضيف دارن، "أنهن أصغر من أقرانهن في مناطق أخرى من العالم، فمتوسط العمر لديهن 53 عاما، وبعضهن تلقين تعليمهن في الولايات المتحدة وأوروبا قبل العودة إلى الوطن وتطبيق ممارسات الأعمال الغربية، في إطار تقاليد الأعمال المحلية".&
ويعتقد دارن أن تلك التطورات ستوجد واقعا اقتصاديا عالميا جديدا، عبر زيادة عدد المليارديرات الآسيويات رجالا ونساء، وهذا سيسهم في نقل مراكز الثقل المالي العالمي إلى الشرق مستقبلا.