&فارس بن حزام&

يوشك الاتحاد الأوروبي على الاستسلام أمام انهيار الاتفاق النووي مع إيران، بعدما أمضى سنوات في تحضيره وتسويقه وإبرامه، وأخرى قليلة تلت، في كفاح المحافظة عليه، وأثمر الجهد الأميركي الأخير في إنهاء الخديعة، وتصحيح المسار.


ومنذ بدء التفاوض حول البرنامج النووي، نجحت أوروبا في إزاحة الولايات المتحدة قليلاً، وفي العام 2003، أقنع قادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا الرئيس الأسبق بوش الابن بمراقبة جهودهم من دون التدخل، وكان سيء الذكر، وزير الخارجية البريطاني آنذاك جاك سترو، القائد الفعلي للتحرك الأوروبي الثلاثي (الترويكا)، ومن شدة حماسته، أخذ معه وزيري خارجية فرنسا وألمانيا إلى طهران في 21 تشرين الأول (أكتوبر 2003)، فمنحوا النظام الإيراني دعماً إضافياً ليواصل تضليله.

وآنذاك، تبددت فرص إحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن، حتى تبينت خديعة إيران، فأحيل البرنامج النووي إلى المجلس بداية العام 2006، لتبدأ فصول العقوبات المتوالية. كانت رؤية "الترويكا" تؤمن بقدرة ممثليها على دفع طهران إلى نهج العمل السلمي، وفي كل مرة يخذلهم نظام "الملالي"، فيمدون أيديهم للمصافحة مجدداً، ومنحه فرصة أخرى، واستمر المنوال إلى أن وصل الرئيس باراك أوباما، فكانت النتيجة المأسوف عليها بإبرام أسوأ اتفاق دولي في العصر الحديث.

وقبل إبرام هذا الاتفاق، عبث النظام الإيراني بالمفاوضين، ونجح في إطالة المفاوضات، بمنحه وقتاً كافياً لتحسين جودة عمله في إنتاج الوقود النووي. وعندما خدعهم بالتوقيع على البروتوكول الإضافي للتعاون مع وكالة الطاقة الذرية، خرج ممثلوه ليقولوا إن ما جرى كان تعليقاً لأنشطة تخصيب اليورانيوم، وليس توقيفه. ولذا لم يطل الوقت حتى ألغت إيران توقيعها، ومزقت مذكرة التعاون، فوقعت "الترويكا" في الحرج، قبل أن تعود سريعاً بلا خجل، لتبذل قصارى جهدها في إحياء التعاون، بعد سعي حثيث ومراضاة طهران ببعض التعديلات، ولعلي أشير هنا إلى أن مندوب ألمانيا في الوكالة الدولية متزوج من إيرانية!

كررت إيران، طوال رحلة "الترويكا"، إهانتها للاتحاد الأوروبي وممثليه الثلاثة. كان الأمين العام لمجلس الأمن القومي في طهران آنذاك، الرئيس حسن روحاني، أكثر من أطلق تصريحات تهزأ بهم. ولعلهم تحملوا نزق النظام وسوء سلوكه بناء على نظرة انتهازية وجاهلة في آن معاً، إذ سوقوا سعيهم للاتفاق بكونه المحفز الرئيس ليحسن النظام أسلوبه الداخلي والخارجي. ورأيهم أن تحقيق الاستقرار الاقتصادي سيحدث تغييرات إيجابية على المدى البعيد، يراهنون في ذلك على التباين الشديد بين المحافظين ومن سمّوهم "الإصلاحيين"، غير أن الواقع المثبت، قبل سنوات الاتفاق وبعده، أظهر استخدام الطرف الأول للثاني، فخلف قناع الرئيس روحاني يقف الجنرال قاسم سليماني، وخلف ابتسامة الوزير جواد ظريف نرى عبوس المستشار علي أكبر ولايتي.

ولذا، وجدنا النتيجة بعد الاتفاق النووي، إذ سارعت أوروبا تتقدمها ألمانيا إلى إيران لعقد الصفقات، وظهر أن ثلاث أرباع الصفقات التجارية ذهبت إلى مؤسسات يديرها "الحرس الثوري". وطوال تلك السنوات، تحركت "الترويكا" مدفوعة بمصالح اقتصادية تخصها، بصرف النظر عن الضرر الناجم عن سلوك النظام، لتكون مصدراً إضافياً للطاقة، يخفف من الاعتماد على روسيا، ويعزز صادراته الصناعية مع تراجع نموها في العقد الأخير، فارتفعت صادرات النفط إلى أوروبا أربعة أضعاف بعد الاتفاق، واستعادت أكثر من خمسة آلاف شركة ألمانية عافيتها في إيران، على سبيل المثال.

ولا مثال إضافياً على انتهازية الاتحاد الأوروبي المخالفة لشعاراته، سوى الموقف من احتجاجات نهاية العام 2017 في إيران، عندما مالت حكوماته إلى النظام ضد المحتجين الجائعين