&راغدة بهنام

كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وكلاوديا فون غيليو غارقة في النوم إلى جانب زوجها. كانت النافذة مفتوحة قليلاً على نسمة تدخلها لتخفف من وطأة الحر. الشارع الذي يقع فيه منزلهما في منطقة نويكولن ببرلين هادئ في العادة. ولكنّ شيئاً ما أيقظها من نوم عميق. ربما كانت الرائحة الغريبة التي تسللت من النافذة المفتوحة. أو كان الضوء الساطع الذي لف فجأة الغرفة الداكنة. استيقظت بشيء من العجلة وركضت نحو النافذة باحثة عن مصدر الرائحة والضوء، لتجد سيارتها في الأسفل مشتعلة والدخان الأسود يملأ المكان.

عندما تتذكر هذه السيدة الألمانية الخمسينية حادث إحراق سيارتها قبل عامين، تقول إنها كانت محظوظة جداً لأنها اكتشفت الأمر بسرعة قبل أن تمتد النيران إلى المبنى الذي تسكنه. «اتصلت بالإطفاء على الفور ولكن كانت لتحدث كارثة»، تقول: «لأن النيران ما كانت لتطال منازل الجيران ولكن منزلي فقط».

التقينا في صالة العرض الفنية التي تملكها في شارع متفرع عن شارع كارل ماركس في نويكولن. كانت تروي الحادثة وهي جالسة وسط كتب وملصقات كبيرة لناشطين ألمان كانوا معروفين بنضالهم ضد النازية. أكبر تلك الصور كانت لأولغا بيناريو، مناضلة شيوعية يهودية قتلها النازيون خنقاً في إحدى غرف الغاز إلى جانب المئات من المعتقلات عام 1942.

لم يكن وجود تلك الصور صدفة. فصالة العرض تحمل اسم «أولغا بيناريو». ونشاطها يعكسه الاسم الذي تحمله. هنا تنظم كلاوديا، المختصة بعلم السياسة والناشطة اليسارية، ندوات ولقاءات تتمحور حول مناهضة الفاشية والتمييز الذي يتعرض له اللاجئون، وتعرض أفلاماً لهذه الغاية أيضاً.

عندما جلسنا نتحدث، فتحت كلاوديا الحاجب الحديدي للصالة ليدخلها النور. فبدت الواجهة الزجاجية التي كانت مختبئة تحتها مشققة وفيها كسور في أكثر من مكان. بدأت تشرح أن صالة العرض مستهدفة كذلك، وكانت كذلك قبل حتى سيارتها ومنزلها. تعرضت مرات كثيرة طوال الأعوام الماضية للتكسير والتخريب. أصلحت الأضرار الكبيرة وأبقت على الصغيرة منها خوفاً من أن تتعرض لتخريب جديد. ومنذ سنوات تبقي الحاجب الحديدي مسدلاً خوفاً من تعرض المكان للتخريب مرة جديدة.

المعتدي بالنسبة إلى كلادويا معروف، رغم أن الشرطة لم تلقِ القبض على أحد. تقول إن اليمين المتطرف ناشط في نويكولن بشكل كبير وعنيف: «النازيون يقومون بشكل منتظم بنشر لوائح على الإنترنت تضم أسماء أشخاص ومنظمات يعدونهم أعداءهم، ولاحقاً يتم حذفها. ولكن هذه نداءات واضحة لأنصارهم لتنفيذ هجمات إرهابية».

استهدافها في منزلها كانت النتيجة الطبيعية بالنسبة إليها. فعنوانها الخاص ليس سراً. القليل من البحث على الإنترنت وفي عناوين الأشخاص المسجلين كمالكي صالة عرض «أولغا بيناريو» يُظهر التفاصيل كافة.

بدأت كلاوديا العمل في صالة العرض هذه عام 1990، وتقول إن الاعتداءات بدأت عام 2010. كانت تجد حينها رسومات يمينية متطرفة مثل الصلبان المعقوفة مرسومة على الواجهة الخارجية. وعام 2011 تقول إن «الموجة الإرهابية الأولى من قبل اليمين المتطرف في حي نويكولن بدأت». كان عناصر اليمين المتطرف يرمون أدوات مشتعلة داخل الصالة. عام 2016، بدأوا باستهداف الناشطين في منازلهم وكتابة عبارات تهديد بالقتل إلى جانب أسمائهم على الأبواب، وإحراق سياراتهم في عناوينهم الخاصة.

البعض يجد تمدد اليمين المتطرف في نويكولن مستغرَباً. فالمقاطعة خليط سكاني غير مسبوق تضم عشرات الجنسيات. عندما تتمشى في شوارع المقاطعة اليوم، يمكنك أن تلتقط لغات كثيرة: العربية، التركية، الكردية، الإنجليزية، الصربية، الروسية... وفي السنوات الماضية تحول بعض شوارع المقاطعة إلى أحد أكثر شوارع برلين شعبية لدى مَن هم في عمر الشباب بسبب مطاعمها العصرية ومقاهيها غير التقليدية.

فكيف يمكن لمنطقة متنوعة ثقافياً ومقصد شبابي أن تتحول لأرض خصبة لليمين المتطرف، حتى منذ قبل موجة اللجوء عام 2015؟

مخلفات الجدار

الواقع أن نويكولن تستضيف جاليات مسلمة تركية بشكل خاص منذ عقود، قبل وصول موجة اللاجئين السوريين هرباً من الحرب في بلدهم. تلك الموجة الأخيرة تركت بصمات واضحة في نويكولن من خلال انتشار مطاعم ومحلات سورية كثيرة في شوارع المقاطعة، وحوّلت شارع الشمس «زوننالي» إلى «شارع العرب». ولكن قبل ذلك، استقر هنا الأتراك الذين توافدوا إلى البلاد في الخمسينات والستينات والسبعينات ضمن برنامج «الضيوف العاملون» الذي أقرته الحكومة الألمانية للتعويض عن نقص اليد العاملة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية. ورغم أنهم كانوا «ضيوفاً» من المفترض أن يغادروا بعد انتفاء الحاجة إليهم، فإنهم بقوا واستقروا مع عائلاتهم وطبعوا شوارع نويكولن بثقافهم ولغتهم.

وواقع أن نويكولن كانت في الجزء الغربي من برلين عندما كانت مقسومة بجدار، يفسر تمركز الأتراك فيها. فالأجزاء الغربية كانت منفتحة على ثقافات مختلفة خلافاً للمناطق الشرقية التي كانت مغلقة لا يدخلها أو يخرج منها أحد.

وفي العادة، يجد اليمين المتطرف في المناطق الشرقية بألمانيا بيئة خصبة للانتشار والتمدد ونادراً ما يتمدد في الغرب. ففي استطلاعات للرأي مؤخراً، يحتل حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف الذي دخل البرلمان (البوندستاغ) عام 2017 للمرة الأولى، المرتبة الأولى في معظم الولايات الألمانية الشرقية، متقدماً على الحزب اليميني الوسطي الحاكم حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي.

ولكن حالة برلين التي تقع في قلب الولايات الشرقية، مختلفة. فهي نفسها كانت مقسمة بين شرق وغرب. ومثل الولايات الشرقية، تجد اليمين المتطرف قوياً في مقاطعات شرق برلين، مثل ليشتنبيرغ وكوبينيك. وأطراف من نويكولن، مثل منطقة روداو حيث تعيش كلاوديا، محاذية لكوبنيك.

البعض يفسر ذلك سبباً لتمدد اليمين المتطرف ووصوله إلى نويكولن.

ارتفاع وتيرة الاعتداءات

في العام الماضي، يبدو أن أعداد الاعتداءات التي نفّذها اليمين المتطرف في نويكولن تزايدت.

منظمة «ريتش أوت» تحصي اعتداءات اليمين المتطرف في برلين. تقول سابين سايب من هذه المنظمة إنه تم تسجيل أكثر من 300 اعتداء عام 2018 بزيادة تزيد على الـ20٪ عن العام الذي سبقه. وبالاعتداءات فهي تعني اعتداءات لفظية أو جسدية. الأدوات المستخدمة، تقول إنها تتفاوت بين السكاكين والعصي والزجاجات المكسورة وأحياناً حتى المسدسات. المستهدفون هم عادة اللاجئون، المسلمون، اليهود والغجر.

ولكن مع ذلك، لا ترى سايب أن هناك «جماعات متطرفة منظمة» تنفّذ هذه الاعتداءات في برلين. على الأقل، ليس بعد. تقول: «المعتدون هم عادةً أفراد وقد لا يكونون معروفين لدى الشرطة من قبل... ولكن يحصل مثلاً أن سيدة محجبة وهي خارجة من الحافلة تتعرض للبصق أمام أطفالها. هذه ليست شبكات منظمة ولكن أشخاص عاديون يعبّرون بصورة عنيفة عن عنصريتهم، واعتداءات كهذه في الواقع في ازدياد». ولكن الاعتداءات على الناشطين ضد العنصرية، ترى سايب أنها قد تكون منظمة: «في نويكولن أشخاص معادون للعنصرية وملتزمون بمحاربة اليمين المتطرف يتعرضون للتهديد بشكل متكرر وتُحرق سياراتهم. هنا يمكن الحديث عن شبكات منظمة، خصوصاً عندما نتحدث عن استهداف خصوم سياسيين».

فرات كوشاك، كان ضحية أخرى لليمين المتطرف في نويكولن. هو أيضاً أُحرقت سيارته أمام منزله. ولكنه كان أقل حظاً لأن النيران امتدت إلى المنزل وأحرقته. كان محظوظاً أنه استيقظ قبل وقت كافٍ سمح له بمغادرة المنزل وإخراج والديه منه قبل أن يختنقا. التقيناه في مكان عمله في إحدى جامعات برلين. فهو لم يعد «يملك» منزلاً محدداً. يقول إنه يتنقل بين منازل أقاربه منذ ليلة الاعتداء في فبراير (شباط)2018 يقضي بضعة ليالٍ في كل منزل: «أنا محظوظ لأن لديّ أقارباً كثراً في برلين».

الاعتداء وقع أيضاً في منتصف الليل، نحو الثالثة فجراً. يتذكر وهو يخبر قصته أنه كان عليه مساعدة والدته على الخروج لأنها لا يمكنها المشي بسرعة بسبب سنها وإصابة قديمة: «عندما قدم رجال الإطفاء، قالوا لي لو أنني تأخرت خمس دقائق فقط عن الاستيقاظ لكنت قد احترقت مع عائلتي داخل المنزل».

كوشاك من أصول تركية كردية وهو ناشط مع حزب «دي لينكا» اليساري الذي ينتقد بشكل دائم اليمين المتطرف. في حالته أيضاً، لم تلقِ الشرطة القبض على أحد. وهو ما يغضبه فعلاً. يقول: «عندما أتت الشرطة تناقشنا حول خلفية الحادثة وفيما إذا كانت ناتجة عن النزاع التركي الكردي لأنني أنا وعائلتي ننحدر من أصول كردية من تركيا. وحينها قلت إنه لا يمكن ذلك لأنه في حي نويكولن يوجد الكثير من الهجمات للنازيين ومَن قام بذلك هم بالتأكيد نازيون». يضيف: «عندما قلت لهم إنني أنتمي للحزب اليساري وإنني مرشح من قِبلهم في حي نويكولن، استمعوا وأصغوا إليّ... ولكنّ شيئاً لم يحدث بعد ذلك».

يروي أنه في الليلة نفسها التي أحرقت فيها سيارته ومنزله، كان هناك اعتداء آخر على صاحب مكتبة يدعى هاينس أوسترمان كان يقيم أمسيات لمناقشة تهديد النازيين الجدد. ويقول: «في حالته كان واضحاً جداً أن الأمر لا علاقة له بالنزاع التركي الكردي بل هو هجوم نازي. وقد أكدت الشرطة ذلك لاحقاً واعتقلت أحد المشتبه بهم».

الخوف من الغير

ورغم أن لا كلاوديا ولا كوشاك يعلمان بشكل دقيق هوية منفذي الهجمات، فإنهما يشكّان بأنصار حزب صغير يميني متطرف اسمه «إن بي دي» الحزب الديمقراطي الوطني الألماني، الذي ينشط في كوبينيك وقد أوصل بعض مرشحيه إلى مراكز في البلدية. يعد هذا الحزب من أكثر الأحزاب اليمينية تطرفاً في ألمانيا. خلال الانتخابات الأوروبية قبل بضعة أسابيع، رفع شعارات مثل «أوقفوا الغزو: الهجرة تقتل»، و«مناطق آمنة». ورفضت قنوات ألمانية محلية بث إعلاناته لأنها اعتبرتها تحريضية.

عندما التقيت أمين عام الحزب شتيفان لوكس بعد سلسلة من الرسائل الإلكترونية المتبادلة التي ظل يكرر فيها أنه لا يفهم سبب طلب اللقاء ولكنه مستعد للقائي «لمناقشة المشكلات التي يتسبب بها تعدد الثقافات في ألمانيا»، كان مصراً على اللقاء في الشارع العام في كوبينيك. لم يشأ في البداية اصطحابي للمكتب للجلوس وإجراء المقابلة. وبعد أن سألته عن السبب قال: «أنتِ تعملين لدى إعلام عربي وأنتم لديكم إرهابيون».

ورغم الصدمة التي أحدثتها إجابته، فإنها تعبّر عن كيفية تفكير هذا الحزب وأنصاره. في النهاية وافق على أن نتوجه إلى المكتب بعد أن وعدته بألا أنشر العنوان، كي «لا يصبح عرضة لهجمات من متطرفين»، كما قال. لم يجد أي سخرية عندما سألته عن الاتهامات الموجّهة إلى أعضاء متطرفين بحزبه بتنفيذ هجمات إرهابية ضد ناشطين. رد بوجه عابس لا يعرف الابتسام، كأنه يسمّع درساً حفظه وكرره مرات عدة، خوفاً من تخطي الحدود القانونية: «نرفض العنف بالتأكيد لأنه لا يحل المشكلة بل يقودنا إلى مشكلات جديدة... نحن نعيش في دولة ديمقراطية ودولة قانون. مشكلة الهجرة يجب أن تُحل وفق القوانين الخاصة بجمهورية ألمانيا الاتحادية. وبالتالي كل مبادرة فردية هي مستبعدة وغير مقبولة».

ينكر حتى أن تكون هناك أي عنصرية في الشعارات المرفوعة. يشرح أن بشعار «الهجرة تقتل» يقصد الحزب أنها تقتل اللاجئين في البحر. وبـ«المناطق الآمنة» يجد وقتاً أصعب بمحاولة شرحها، ويقول: «المنطقة الآمنة يمكن أن تكون أي شيء. يمكن أن تكون أناساً يحملون شعار المنطقة الآمنة ويتجولون بالمدينة. يمكن أن تكون سيارة أو منزلاً أو حياً من المدينة».

وعندما سألته إذا كان يرى كيف يمكن ترجمة هذه الشعارات إلى نداء للعنف، قال: «يجب أن يتم توضيح هذه اللافتات المطروحة من قبلنا بشكل دقيق. أما النداء إلى العنف أو المطالبة به فهو أمر غير موجود إطلاقاً لأن القانون في جمهورية ألمانيا الاتحادية يعاقب على ذلك. لا يسمح لنا القانون بذلك ولا نرغب أيضاً بالقيام بذلك. نحن نلتزم بقوانين الدولة ولذلك ما نكتبه على لافتاتنا هي شعارات ضمن الأطر القانونية». في كل كلامه، تلاحظ أنه دائماً يحرص على الحديث «ضمن القانون» كي لا يعرّض حزبه للحظر. ومع ذلك فإن رسائله غير خافية على أحد.

انتقادات لأجهزة الأمن

ولكنّ مؤيدي هذا الحزب وعناصره المتشددين ليسوا الوحيدين الذين يدفعون كوشاك إلى التنقل الدائم. بل الشرطة كذلك، فهو لا يثق بهم. يقول: «علمت أن الشرطة حققت مع نازيين عام 2016 وكانوا يعلمون أن هجماتهم قد تطالني وأن لديهم تفاصيل مكان إقامتي، ولم يقوموا بتحذيري!». ويضيف: «لديّ مخاوف بالفعل أن تكون هناك بنى نازية موجودة في تلك الدوائر التي تسمح لهكذا هجمات أن تحدث لتصل إلى حد القتل... لا أستطيع الوثوق بالشرطة والاستخبارات الداخلية والمخابرات بشكل عام في ألمانيا».

وبالفعل، فإن اليمين المتطرف وجد طريقه أيضاً إلى داخل بنية الشرطة في بعض المدن الألمانية. في مدينتَي هامبورغ وفرانكفورت، هزت فضائح كبيرة الشرطة بسبب تورط بعض عناصرها مع مجموعات متطرفة، ما اضطرها إلى الاعتراف بذلك والإعلان أنها اتخذت خطوات تأديبية ضد هؤلاء العناصر. فضائح شبيهة طالت كذلك الجيش الألماني الذي بدا اليمين المتطرف متغلغلاً فيه كذلك.

يتذكر كوشاك خلية «إن إس أو» اليمينية المتطرفة الذي انفضح أمرها عام 2011. كانت تضم نازيين جدداً وصل عددهم إلى نحو 150 عنصراً، كانوا يعملون بهويات مزيفة، ونفّذوا سلسلة اغتيالات استهدفت 9 لاجئين أتراك وأكراد ويونانيين بين عامي 2000 و2006، ولم يتم الكشف عن جرائم الخلية إلا عن طريق الصدفة بعد تورط عناصر منها في سرقة مصرف انتهت بافتضاح أمرهم وانتحار اثنين منهم. بدأت حينها الشرطة تعثر على أدلة بحوزتهم أشارت إلى هوياتهم المزورة، ومسدسات استُخدمت في الجرائم التي ارتكبوها. وشكّل افتضاح أمرهم حينها صدمة لدى الألمان، بشكل أساسي بسبب عدم القبض عليهم قبل ذلك والسماح لهم بالعمل طوال تلك السنوات. وصدرت مطالبات كثيرة من سياسيين بإنشاء لجنة للتحقيق في أسباب عدم كشف الشرطة عن الخلية سابقاً، في إشارة إلى تورط عناصر في الأمر.

واليوم عندما يتذكر كوشاك هذه الخلية، يتخوف من أن الأمر نفسه بدأ يتكرر، ويقول إن الوقت لن يكون بعيداً قبل أن تحدث «كرايستشيرش» أخرى في ألمانيا، في إشارة إلى مجزرة المسجدين في نيوزيلندا.

كلاوديا تشارك كوشاك كذلك مخاوفه تلك. وتسأل: «هل الشرطة بالفعل غير قادرة على القبض عليهم أم أن الشرطة نفسها تضم عناصر يمينة؟»، وتشير إلى تورط الشرطة في مدن أخرى بفضائح من بينها تسريب عناوين وتفاصيل أشخاص لعناصر من اليمين المتطرف.

ولكن الشرطة في برلين ترفض تلك الاتهامات. وفي رد على أسئلة لـ«الشرق الأوسط»، قال متحدث باسم شرطة برلين في رد عبر الإيميل: «نحن نأخذ مسألة التطرف بشكل جدي... ولهذا السبب لدينا قسم خاص لدى المحققين في شرطة الولاية مختص بالجرائم التي تهدد الأمن الوطني من بينها جرائم اليمين المتطرف في برلين». وأضاف: «في نويكولن وجدنا قبل فترة أن هناك اعتداءات ينفّذها اليمين المتطرف، ولذلك أضفنا أعداد الوحدات التي تعمل على هذه الملفات... وأسسنا كذلك وحدة جديدة اسمها (فوكس) لإكمال التحقيقات في جرائم اليمين المتطرف وإعادة مراجعة قضايا وإعادة تقييمنا».

ويرفض اتهامات الضحايا بأن الشرطة لم تقم بما هو كافٍ، وقال: «نحن على اتصال بالضحايا ولكن للأسف لا يمكننا مشاركة كل النتائج التي نتوصل إليها، وفي النهاية القرار يعود إلى المدعي العام في برلين بكمية المعلومات التي يمكن مشاركتها مع الضحايا». وأكد أن شرطة برلين «ملتزمة بالقتال ضد تحركات اليمين المتطرف وجرائمه».

ولكن لماذا عادت جرائم اليمين المتطرف الآن إلى نويكولن؟

دخول اليمين المتطرف إلى البرلمان

ترى البرلمانية أولا يلبه من حزب الخضر، ومن أكثر النواب نشاطاً في مكافحة اليمين المتطرف، أن دخول حزب «البديل لألمانيا» إلى البوندستاغ قبل عام «هيأ الأرضية لكي يمارس النازيون العنف مجدداً». وترى يلبه أن مواقف الأحزاب الأخرى تجاه هذا الحزب اليميني المتطرف تقوّي موقفه كذلك، وتقول: «داخل الحزب الاشتراكي هناك العديد من الذين يقفون ضد الفاشية ويخرجون معنا إلى الشوارع أيضاً. لكن في السياسة إذا أخذنا التحالف الكبير في البرلمان كجبهة واحدة، عندما يقوم الحزب البديل بالصراخ داخل البرلمان ويطالب بترحيل اللاجئين وتشديد قوانين اللجوء، نرى أن الحزب المسيحي وشقيقه البافاري ومعهما الاشتراكي تقوم بإصدار القوانين الحادة تجاه اللاجئين». وتضيف: «هذا ما يهيّئ الطريق للحزب البديل وبالتالي يصبح أقوى».

وتتحدث كذلك عن دور «متراخٍ» للشرطة في التعاطي مع جرائم اليمين المتطرف، ما يقويهم كذلك. وتشير إلى حادث حرق سيارة كوشاك وعِلم الشرطة بالتهديدات المسبقة له، وتقول: «السلطات قللت من شأن التهديدات، وبالتالي لم يتم التحقيق فيها بالشكل المطلوب، الأمر الذي يجعل ملاحقة المذنبين غير ممكنة».

رغم كل ذلك، ما زال اليمين المتطرف في برلين غير منظم، كما حدث في كيمنتس مثلاً عندما خرج المئات من النازيين الجدد يطاردون لاجئين بعد قتل لاجئ عراقي شاباً ألمانياً العام الماضي.

ولكن المخاوف الحقيقية من أن يؤدي التراخي السياسي والأمني مع اليمين المتطرف إلى دفعه للتنظيم أكثر والتحول إلى خلايا تقتل وتلاحق اللاجئين كما حصل في الماضي.

تتذكر كلاوديا تصريحات لأحد المسؤولين في حزب «البديل لألمانيا» بيورن هوكه، أطلقها قبل نحو أسبوعين من حرق سيارتها. قال حينها إن على «سياسة التاريخ في ألمانيا أن تدار 180 درجة»، في إشارة إلى تدريس المحرقة في المدراس و«عقدة الذنب» التي يحملها الألمان معهم بسبب الهولوكست. تقول كلاوديا: «كلامه يعني أنه يريد العودة لعهد يحبه النازيون عندما كانت ألمانيا (قوية) والأجانب كانوا تحت المراقبة أو تتم تصفيتهم».