&فارس بن حزام&&

شخص في العراق، مثل نوري المالكي، ربما يعود إلى رئاسة الحكومة يوماً ما، على رغم ما سببه من أذى طوال ثمانية أعوام من الحكم، وخمسة أعوام من العبث لاحقاً.


قبل أيام، جدد له "الدعوة" أمانة الحزب، وإن كان حزباً ضعيفاً مفككاً في أعوامه الأخيرة، إلا أن لأمينه المحافظ على موقعه ثلاثة عشر عاماً نفوذاً واسعاً، حققه بوفرة مالية خرافية، وسلطة داخل الدولة العميقة، وملفات فساد يبتز فيها من صاروا خصومه اليوم، وقادر على خلق تحالفات جديدة.

والمالكي، مثل أي مهووس طرأ على السلطة صدفة، لا يقبل حقيقة مغادرتها، ولا يتذكر أنه لم يكن شيئاً قبل عام 2003، ولا يأخذ أحد سيرته المكتوبة حديثاً على محمل الجد، رفاقه في سورية وإيران يعرفون حدوده السياسية، ومدى قدراته الفكرية، ولأنه لم يكن شيئاً؛ لا يذكر أحد من المعارضة العراقية اسمه الحركي "جواد"، ولا فعلاً سياسياً واحداً يشار إليه. وتلك الصدفة، هي من أوصلته إلى رئاسة الحكومة، فقد اختلف قادة "الائتلاف الوطني" فيما بينهم، خاصة داخل "حزب الدعوة"، وبحثوا عن بديل لرئيس الوزراء إبراهيم الجعفري، ووقع الاختيار على نوري المالكي، ظناً أنه لقمة سائغة، مثلما حدث في الاتحاد السوفياتي قبل مئة عام مع جوزيف ستالين، عندما اختلف الرفاق على خلافة فلاديمير لينين، فاختاروه إلى جوار آخرين لإدارة البلاد، قبل أن يفاجئهم، ويحول ضعفه إلى قوة، ويسحقهم ويقود بلاده إلى ديكتاتورية جديدة. تلك صورة المالكي حين يستعيد مسيرة الرئيس صدام حسين. وعن تلك السيرة صادف أن رجلاً واحداً في العراق حضر في رحلة المالكي؛ من بساطة التلميذ، إلى صناعة الدكتاتور، ومن ثم إسقاطه، وهو الدكتور فؤاد معصوم، الرئيس العراقي السابق، إذ أشرف على رسالته البسيطة للماجستير في أربيل، وفي عام 2006 اتصل به ليدعوه للقاء الرئيس جلال طالباني، وهنأه برئاسة الوزراء قبل أن يدخل المكتب، وفي عام 2014 وقع على قرار طرده من الحكومة.

ومن الموضوعية، القول إن لا شيئاً حسناً يذكر من مسيرة نوري المالكي طوال ثمانية أعوام في الحكم، ومنذ عامه الأول تجلت عناوينها، فقد دشن إدارته بعقلية حزب ديني متطرف، محصور بمذهبه، ولا يثق بأحد من خارجه، ويخاف من منافسيه الأقوياء داخل الحزب، ولذا حصر الوظائف الكبرى على نفسه؛ دفاع وداخلية ومخابرات وأمن وطني، وتمادى إلى المالية. وقبلها خدع واشنطن والغرب والعرب، وأوهمهم أنه لا يفرق بين السنة والشيعة عند مواجهة المسلحين، لتبدأ الدعاية عن ولادة قائد وطني جديد، بينما كانت معاركه مع مقتدى الصدر لخلق نفوذ وواقع مختلف داخل الأحزاب الدينية، لا غير، ووحده الراحل الملك عبد الله من رفض التعاطي معه.

نوري المالكي ليس الصدر ولا عمار الحكيم، القادمين من بيتين دينيين عريقين، فليس من سبيل له سوى الغوص أكثر في الطائفية خطاباً وعملاً، ولذا وجدنا كلامه الحديث عن جيش وأمن الموصل، وأنهم "سنة" سلموا المدينة للإرهابيين، وكل عراقي يعرف أن ذلك كذب بواح، ويعرف هويات القادة. ومثل هذا الكلام السيء، يأتي بنتيجة جيدة لصاحبه، ويمكنه مع معطيات أخرى من الاستحواذ التام على "حزب الدعوة"، فهو طائفي يخاطب طائفيين، وتطرفه هو إيجاز سيرته الدينية، وإذا أضفنا لها جهله المعرفي والسياسي، نكون أمام حالة غير مسبوقة في التاريخ المعاصر، نجحت في خداع من صفق لها، ويبقي السؤال: هل تعلمنا من خطيئة المالكي؟ لا أظن!