&داهم القحطاني

ما يحصل في مدخل الخليج العربي من مناوشات يقودها الحرس الثوري الإيراني يعبر عن عمق الورطة التي تواجهها الحكومة الإيرانية، بعد أن أحكمت السعودية والولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى الحصار عليها، ونزعت منها كل الأوراق التي كانت تستخدمها لإخفاء حقيقة أنها نظام توسعي عدواني من الخطر على العالم بأسره السكوت عنه، خصوصا أن هذا النظام يهدد حرية الملاحة العالمية في إحدى أهم المناطق الحيوية جدا للاقتصاد العالمي. في أواخر شهر يونيو الماضي عقد في إسرائيل اجتماع مهم جدا جمع أمين مجلس الأمن القومي الأميركي جون بولتون مع نظيريه الروسي نيكولاي باتروشيف والإسرئيلي مائير بن شبات، وتم التوصل خلال الاجتماع إلى قرارات غير معلنة بشأن الوضع في سوريا من أهمها الحفاظ على أمن سوريا مقابل أمن إسرائيل،

وهو ما يتطلب إبعاد إيران عن المشهد السوري، إضافة إلى تقليم مخالبها في العراق واليمن. هذا الاتفاق غير المعلن هو ما يفسر قيام إيران بتصعيد مناوشاتها في مدخل الخليج العربي، ومن ضمن ذلك استفزاز دول بعينها عبر اعتراض ناقلاتها النفطية وقطرها للموانئ الإيرانية بذرائع إجرائية غير ذات أهمية، ومنها تجاوز هذه الناقلات لبروتوكول المرور في المضيق وعدم الالتزام بالتوقيتات المحددة سلفا. الحكومة الإيرانية تريد القول لأميركا وروسيا إنها قادرة على فعل الكثير الكثير إن تم تهميش نفوذها في سوريا والعراق واليمن، كما أن الحكومة الإيرانية تريد عبر هذا التصعيد إحراج الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية أمام الرأي العام الغربي لتضغط من أجل عودة أميركا عن قرار الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران.

سلسلة العقوبات الغربية ضد إيران، التي توجت بقرار أميركي تم تطبيقه مطلع مايو الماضي بمعاقبة الشركات التي تصدر النفط الإيراني، جعلت إيران تواجه ساعة الحقيقة؛ فإما أن تتراجع عن تشددها وتقبل باتفاق جديد مذل مع الولايات المتحدة، وهو ما ستنتج عنه آثار كارثية للنظام الإيراني، من أهمها أنه سيكون وفق محللين مدخلا لتغيير بنية النظام الإيراني بتهميش المتشددين من جناح خامنئي وتغليب المعتدلين نسبيا كالرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف. وإما أن تغامر الحكومة الإيرانية بالدخول في حرب استنزاف غير معلنة مع أميركا وبريطانيا قد تتحول في ظل العقوبات والحصار الغربي إلى قلاقل شديدة في الداخل الإيراني قد تودي بالنظام نفسه. القرار الإيراني في هذا الصدد غير موحد، فدوائر الحرس الثوري الإيراني التي تتبع مرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي بشكل مباشر تتبع منهج التصعيد والتشدد، وترى أن مواجهة الغرب مفيدة جداً للنظام الإيراني، فعبر هذه المواجهة سيتم إسكات كل صوت معارض للنظام، كما أن هذه المواجهة حسب رأي الحرس الثوري الإيراني تحرج الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية أمام الرأي العام الغربي وتجعلهما حذرتين جدا من القيام بمواجهة عسكرية شاملة مع إيران.

يساعد في تغليب رؤية الحرس الثوري الإيراني للمواجهة مع أميركا سلسلة التصريحات الناعمة التي يطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومسؤولون آخرون في بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وهي تصريحات قد تفهم على وجهين، فهي تدل على ضعف غربي أمام إيران، لكنها قد تكون في حقيقتها استدراج للحكومة الإيرانية لكي تواصل التصعيد والتأزيم ما يسهل على أميركا والغرب إصدار قرار أممي يقيد إيران ويضعها في مواجهة المجتمع الدولي. في المقابل، تحاول دوائر الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف منع انزلاق إيران إلى مواجهة عسكرية مع أميركا تحت أي ظرف، كي لا تتاح الفرصة للمتشددين في الإدارة الأميركية كأمين مجلس الأمن القومي جون بولتون، لتحويل الصراع مع إيران إلى حرب خاطفة، حتما ستسبب الضرر لإيران وستدخلها في أزمات داخلية كبيرة قد تغير المشهد الإيراني من الداخل. الحكومة الإيرانية في ورطة والمخرج الأسهل لها التصعيد في أي قضية جانبية والقيام بمناوشات صغيرة في مدخل الخليج وخلق هالة إعلامية حولها لتخفيف الضغط الحقيقي الناتج عن الحصار المحكم الذي يكاد يخنق الاقتصاد الإيراني ويفجر إيران من الداخل.

&