واصلت أسعار النفط ارتفاعاتها أمس متغلبة على الزيادة المفاجئة في المخزونات الأمريكية، ما كبح مكاسب السوق بعض الشيء، وأدى إلى تجدد القلق إزاء الطلب النفطي، في الوقت، الذي تتعزز فيه الضغوط على الأسعار بفعل المخاوف المتسعة من تأثيرات إعصار دوريان في الولايات المتحدة.

ويكبح تراجع الأسعار إعلان الولايات المتحدة والصين عن استئناف محادثات التجارة على المستوى الوزاري، ما بث حالة من التفاؤل النسبي باحتواء تداعيات الحرب التجارية وتعزيز نمو الاقتصاد العالمي، إضافة إلى تأثير التزام "أوبك" وشركائها بتقييد المعروض العالمي من النفط، عبر الاستمرار في رفع مستوى المطابقة لاتفاق خفض الإنتاج، الذي يمتد تطبيقه إلى آذار (مارس) من العام المقبل مع احتمالية تعميق هذه التخفيضات.

وتبدأ مشاورات المنتجين الجديدة خلال أيام وبالتحديد خلال الاجتماع الوزاري لمراقبة خفض الإنتاج، الذي يعقد في أبوظبي في 12 أيلول (سبتمبر) الجاري بقيادة السعودية وروسيا، حيث يتم تقييم وضع السوق في ضوء أحدث بيانات العرض والطلب والعوامل المؤثرة الأخرى ومنها المخاطر الجيوسياسية.

ويؤكد محللون نفطيون أن السوق في حالة ترقب وتأهب مع مواصلة إعصار دوريان زحفه البطيء على ساحل جنوب شرق الولايات المتحدة، ما يهدد بانقطاع نشاط المصافي في جورجيا وكاروليناس، وبالتالي إضعاف مستويات الطلب، خاصة استهلاك البنزين، ما يضيف مزيدا من الضغوط على الأسعار التى تراجعت تحت ضغط ارتفاع المخزونات واستمرار تداعيات الحرب التجارية.

في هذا الإطار، تقول لـ"الاقتصادية"، الدكتورة ناجندا كومندانتوفا، كبيرة المحللين في المعهد الدولي لتطبيقات الطاقة، إن "أوبك" وحلفاءها يركزون على تحقيق التوازن في السوق باعتباره الهدف الأهم والأفضل على المدى الطويل، وليس التركيز على دعم صعود الأسعار، وهو ما أكده وزراء "أوبك" مرارا ويدعمه ألكسندر نوفاك، وزير الطاقة الروسي.

وتضيف كومندانتوفا أن السوق تمر بمرحلة من الغموض والارتباك بسبب عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بتطورات ومستقبل النزاعات التجارية الأمريكية- الصينية مشددة على ضرورة الاستمرار في دعم نمو الاستثمارات الجديدة، حتى لو حدث بعض الركود الاقتصادي وتباطأ الطلب النفطي، معتبرة أن الاستثمارات الجديدة ضرورة لتأمين مستقبل أفضل لصناعة النفط مع التركيز على تعويض التراجع نتيجة النضوب الطبيعي في الحقول القائمة. من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية"، بيل فارين برايس مدير شركة "بتروليوم بوليسي إنتجلنس" الدولية أن أسواق النفط تشهد ارتفاعا ملحوظا في المخاطر وتنامي حالة عدم اليقين، خاصة مع عودة التركيز على قضايا المعروض النفطي.

وأشار برايس إلى أن هدوء وتيرة الصراع التجاري الأمريكي الصيني جاء مع إعلان استئناف المفاوضات على المستوى الوزاري، وهو ما عدته السوق إشارة جيدة وإيجابية، بينما في المقابل ارتفعت درجة التوتر في العلاقات الأمريكية مع إيران، مع إعلان مسؤول أمريكي بأن النظام الإيراني يستفيد من منظمة إرهابية كقناة رئيسية له لحصد مئات الملايين من الدولارات جراء مبيعات سرية وغير مشروعة للنفط.
من ناحيته، يرى ديفيد لديسما المحلل في شركة "ساوث كورت" الدولية للطاقة، أن ارتفاع المخزونات حدث بشكل مفاجئ، وتسبب في تراجع الأسعار، لأنه أتى في الوقت، الذي كان المتدالون في السوق يتطلعون إلى بيانات حول مستوى المخزونات الأمريكية، ويراهنون على أنها ستوفر مزيدا من الدعم لصعود الأسعار.

وأضاف لـ"الاقتصادية"، أن كثيرا من المحللين توقعوا قبل أيام انخفاض المخزونات الأمريكية بمقدار ثلاثة ملايين برميل للأسبوع الماضي، لكن الصورة جاءت مغايرة، الأمر الذي يفرض مزيدا من الأعباء والتحديات على عمل المنتجين خلال الفترة المقبلة، حيث تذهب أغلب التوقعات إلى احتمالية تعميق تخفيض الإنتاج، ما لم يتم إحراز تقدم مؤثر في مفاوضات التجارة.

بدورها، تقول لـ"الاقتصادية"، ويني أكيللو المحللة الأمريكية في شركة "أفريكا إنجنيرينج" الدولية، إن العقوبات الأمريكية على إيران تأخذ اتجاها تصاعديا في إطار الإصرار الأمريكي على إضعاف الاقتصاد الإيراني بسبب تطوير الصواريخ الباليستيه، عبر اتخاذ مزيد من الإجراءات، لافتا إلى تجاهل أمريكا الجهود الدبلوماسية الفرنسية الرامية إلى مساعدة طهران على استئناف مبيعات النفط. وأشارت أكيللو إلى تأكيد المسؤولين الأمريكيين على أن هناك مزيدا من العقوبات في الطريق، ورفض الإدارة الأمريكية منح أي استثناءات أو تنازلات، وبالتالي ستستمر جهود التضييق على الإنتاج والتصدير للنفط الإيراني، وستنكمش مساهمته على نحو واسع في المعروض العالمي، رغم تلقيه بعض المساعدات من الصين وفرنسا.

إلى ذلك، ارتفعت أسعار النفط، رغم تقرير كشف عن ارتفاع مخزونات الخام الأمريكية على غير المتوقع، في الوقت، الذي أكدت فيه واشنطن وبكين أنهما ستعقدان محادثات على المستوى الوزاري سعيا لإنهاء حربهما التجارية المستمرة منذ فترة طويلة.

وفي جلسة تداول اتسمت بالتقلب، ارتفع خام القياس العالمي برنت 22 سنتا أو 0.35 في المائة إلى 60.92 دولار للبرميل، بينما زاد خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي خمسة سنتات أو 0.9 في المائة إلى 56.31 دولار للبرميل.

وفتح النفط، الذي صعد ما يزيد على 4 في المائة في الجلسة السابقة بعد بيانات قوية من الصين، متراجعا في أعقاب بيانات صادرة من معهد البترول الأمريكي أظهرت ارتفاع مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي مخالفة التوقعات.

وانتعشت أسعار الخام لترتفع 1 في المائة تقريبا بعد أنباء عن أن الولايات المتحدة والصين اتفقتا على إجراء محادثات تجارية على مستوى الوزراء في واشنطن في أوائل تشرين الأول (أكتوبر)، قبل أن تتراجع مجددا ثم ترتفع.

وزادت المخزونات الأمريكية بمقدار 401 ألف برميل في الأسبوع الماضي إلى 429.1 مليون برميل، مقارنة بتوقعات المحللين بانخفاضها 2.5 مليون برميل.

وقال معهد البترول الأمريكي إن مخزونات الخام بنقطة التسليم في كاشينج في ولاية أوكلاهوما تراجعت 238 ألف برميل، بينما هبط استهلاك الخام بمصافي التكرير 306 آلاف برميل يوميا.