& فهد البكر

&يذكرني غازي القصيبي – رحمه الله – بالصاحب بن عباد، الوزير، الأديب، العالم، الذي عاش في القرن الرابع الهجري، في دولة بني بويه، وتقلّد الوزارة، وتسنّم مقاليد الكتابة في دواوين الترسل، وكان ذا إنتاج علمي غزير في مجالات اللغة المتنوعة، إضافة إلى كونه شاعرًا متميزًا، وناثرًا متألقًا، وألّفت في نقده بعض الكتب المعاصرة له، كـ (أخلاق الوزيرين) للتوحيدي. وهكذا كان القصيبي - رغم اختلاف يسير – يستحق أن يُلقّب بـ (الأستاذ – الوزير – الأديب – السفير – الدبلوماسي – المترجم)، وكُتبت فيه كثير من المؤلفات، والدراسات، والرسائل، والأطاريح العلمية.

لكن يبدو أن أبا سهيل لن يسلم من مدح المادحين، ولا قدح القادحين، ولا من يخوض مع الخائضين، حتى بعد وفاته؛ فمنذ أن جُوبِه بحملةٍ شرسة قبل أربعين سنة تقريبًا، انفصم على إثرها مشاغبون كثير، وانقسم العالم من حوله بين معجب به، ومنكر له، حتى صار ينام ملء عيونه عن شواردها، ويسهر الخلق جراها ويختصم، كأنه في هذا أبو الطيب الذي ملأ الدنيا، وشغل الناس، في حياته، وبعد مماته، إلى أن تخاصم فيه أهل الدين، والفكر، والأدب، والنقد، والسياسة، والعقائد.

ومع هذا فقد صار القصيبي أديبًا عملاقًا، وشاعرًا كبيرًا، وهو (أيقونة) في أدبنا السعودي، وعلامة فارقة في أدبنا العربي، وليست الأضواء، أو السياسة - كما يدعي البعض - هي من صنعته، أو منحته التفوق والانتشار، بل أسس بنفسه لمجد شعري، وصار أديبا فذًّا؛ ونسخة فريدة، وعملة نادرة، جعلت الكبير والصغير من النقاد يختلفون حولها، قبل أن يحترموها، ويقدروها قدرها، حتى الذين كانوا يرفضونه، أصبحوا يقبلونه، ويرون فيه شيئًا عظيمًا، ورمزًا أدبيًا ووطنيًا؛ أمسى فيه القصيبي ماركة أدبية مسجّلة تعرفه حتى القواعد من النساء، والذين لم يبلغوا الحلم، وصغار النقاد والمؤدلجين.