&محمد خليفة

تعيش المنطقة العربية حالة مخاض صعبة، وتظهر في الأفق نذر أخطار حقيقية هائلة، وتبرز تغييرات إضافية قد تقود المنطقة إلى مرحلة جديدة أكثر عنفاً ودموية مما حدث ويحدث.
من أجل ذلك يسعى المخلصون من قادة هذه الأمة إلى اتخاذ تدابير وقائية كافية من شأنها أن تحد من خطورة تلك الأحداث والتطورات البشعة. لكن السؤال الأكثر أهمية هو: هل ستكون النذر الحالية هي آخر ملامح الخطر، أم أنها خطوة في سلسلة أخطر وأكبر وأعظم؟!
مهما كانت التصورات صعبة ومعقدة وشديدة الوطأة، فإنها تظل أقل أثراً وخطراً من المضي في سياسة التصادم التي يعيشها أبناء الشعب اللبناني. ألا يكفي هذه الأمة كمية الدموع التي ذرفتها عيون الأمهات في العراق وسوريا وليبيا والسودان، وبكم تقدر قيمة هذه الدموع المهرقة على فلذات الأكباد في جنون القتل في هذه الدول. في كل صباح، تحمل الصحف صور الأمهات العراقيات الباكيات، وفي كل مساء تحصد الفضائيات هذه الغزارة من دموع الأمهات والآباء، ومأساة داخلية، وخطراً أمنياً على المدن وجوارها، أيامها جنائز لضحايا،

وثكالى يبكون موتاهم، وحصارات سياسية واقتصادية، وصيرورة الزمن وكينونة الإنسان العربي لا تتبدل.
الأرقام وحدها تختلف، والجميع يسير إلى الجحيم. هذا هو البلاء الحقيقي، وهذه هي الهزيمة الحقيقية، فعندما ترتد الرصاصات إلى صدور أبناء الوطن الواحد، وعندما يهمز الأخ زناد بندقيته نحو رأس أخيه، فإن الكارثة قد بلغت ذروتها. إنه العنف الذي لم يشهد مثله التاريخ، هذا العنف عصف بمجتمع كان آمناً، وخرب رقعة واسعة من البنية التحتية، وخسر الكثير من أبنائه نتيجة ما تقترفه جماعات العنف والتطرف والتخلف من سفك دماء الناس العزل، وبمصادمتها للوعي التقليدي الذي يتغذى على الجهالات كثيراً، حجم التناقضات الصارخة التي يسهل تصنيفها في خانة الجنون الرسمي، لأن المؤدلج أسير أيديولوجيته، لكون الأيديولوجيا هي الأقوى من حيث الهيمنة والسيطرة على العقل، بدليل السلوك الذي يمارسه ما يجسد تلك الحالة الفكرية المتطرفة، ونتيجة هذا العنف وهذا الصراع الطويل ترك آثاره السلبية على شتى وجوه الحياة، وقادت هذه الدولة صوب الأفول والغروب، وأصبح شعبها يعاني فوضى التشتت والنزاع التي أنشبت مخالبها في أطرافه، وتجلت عوامل الضعف الكامنة في عالمه. وإذا لم تكن هذه الحروب هي السبب، فإنها كانت من أهم عوامل استنزاف قوى الدفع الإبداعية في ثقافتها، وتعطيلها بحيث كانت إفرازاتها السلبية على شتى المستويات.

إن الحوادث والأفكار المعقدة المتشابكة أدت إلى هذا التدهور الحاد والعميق وإلى هذا المنحنى البائس، حيث بدأ الإفلاس الأيديولوجي يكشف عن نفسه، وتجسد هذا الإفلاس في بؤرة شريرة من الدسائس والصراعات التي امتدت خيوطها بين أغلب أبنائها البسطاء السذج؛ بتسويقهم الشعارات والهتافات والصراخ الذي لن يزيد حالة الاحتقان والعنف إلا مزيداً من الاحتقان والتفكيك، ومن شروخ الخيبة والإحباط.
على هذه الشعوب أن تتعلم مبادئ المحبة والصفاء الإنساني، لتتعافى من إدمان هذه الأمراض المستعصية العلاج، وأن تكون متصالحة مع نفسها ومتسامحة مع غيرها، من منطلق أن خلق الإنسان يرفض العنف بكل أشكاله. العراق، سوريا، ليبيا، والصومال كلها على قوائم الأزمات المتصاعدة، وجميعها مهددة بأزمات وحروب، ومنها «القاعدة» و«داعش» ونماذجهما الحديثة، وقد يولد في المستقبل القريب ما هو متوقع من الأسماء الجديدة لحركات إسلامية متطرفة. والحركات الإسلامية نظراً لارتباطاتها المجتمعية المباشرة، فهي دائماً وعبر التاريخ أمام تحدي الفشل.

وهذه نتيجة طبيعية لعملية تعميق المشروع التاريخي وبالأخص الجماعات الكهونتية المتطرفة التي تتبنى خيارات العنف والإقصاء، في صعود تدريجي لمزيد من التشرذم والصراع والتنازع والقتل والسلوكيات البغيضة الخارجة عن الأعراف والقيم والثوابت الإنسانية.

&