&عادل درويش

&الانتخابات البرلمانية لاختيار مجلس عموم جديد تدور في 650 دائرة في المملكة المتحدة تُحسم بعد شهر بالضبط؛ قد تكون الأكثر تأثيراً على المصالح العربية منذ انتخابات مطلع 1974 لأن حزب أو ائتلاف الأغلبية الذي سيشكّل الحكومة ربما يأتي بسياسات اقتصادية جديدة.

بريطانيا خامس أكبر اقتصاد في العالم بناتج قومي (GDP) ثلاثة تريليونات و400 مليار دولار، لكن تأثيرها المالي في السوق العالمية يفوق الصين (25 تريليوناً)، واليابان (خمسة)، وألمانيا (أربعة)، فأكثر من نصف التعاملات المالية يمر بلندن يومياً والرقم أعلى بالنسبة إلى العرب.
التأثير على الرأي العام معظم مصدره شبكات التلفزيون والإذاعة المعادية لرئيس الوزراء بوريس جونسون، وتدفع لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، بجانب طريقة حساب الأصوات الانتخابية في الدوائر مما قد يأتي بنتائج لا تُحمد عقباها بالنسبة إلى الطبقات الوسطي والفقيرة في بريطانيا، والاستثمارات والمصالح العربية.

الأغلبية في مجلس العموم أقل من النصف العددي، فرئيس البرلمان ونائباه لا يصوّتون، كما أن نواب «شين فين» (الحزب الجمهوري في آيرلندا الشمالية) يرفضون أداء قَسَمٍ بالولاء للتاج مما يمنعهم دستورياً من دخول المجلس، وكانوا سبعة في البرلمان المنحلّ يوم الأربعاء. الفوز بـ321 مقعداً يكفي لأغلبية لحزب المحافظين، الصديق التاريخي للعرب.
الأغلبية تكون أفضل بـ323 مقعداً، أقل ما تتوقعه استطلاعات الرأي التي تقدِّر 332 مقعداً للمحافظين، لكن أحياناً ما تأتي رياح الحملة الانتخابية بما لا تشتهي الأحزاب السياسية.
تاريخياً تُحسم نتائج الانتخابات وتنتهي بحكومة قوية تغيّر اتجاه البلاد فيما لا يزيد على مائة دائرة تُعرف بالمتأرجحة (ما بين 10 و15% من جملة الدوائر) التي تتبدل بين العمال والمحافظين في الانتخابات التاريخية كأعوام 1964 و1974 و1979 و1997 و2015.
أول احتمالات تغير اتجاه الرياح هو اتفاق مجموعة أحزاب على عدم منافسة بعضها البعض في عدد محدد من الدوائر لتضمن كتلة متضامنة في البرلمان تضغط على الحزبين الكبيرين، العمال والمحافظين. العامل المشترك هو إلغاء «بريكست» وظهر هذا الأسبوع في تحالف الديمقراطيين الأحرار، والخضر وقوميي إمارة ويلز، والمارقين من المحافظين والعمال، في ستين دائرة في إنجلترا وويلز، ولم يتوصلوا لاتفاق بعدُ مع الحزب القومي الاسكوتلندي بشأن 59 دائرة في اسكوتلندا.
ورغم مناقضة هذه التكتيك لجوهر ديمقراطية الدائرة الانتخابية باختيار الفرد نائباً يمثل مصالحه المحلية لا آيديولوجيا الحزب، فقد يؤدي إلى فوز تحالف يقوده الديمقراطيون الأحرار بأكبر عدد من المقاعد في تاريخهم.
العامل الآخر هو التصويت التكتيكي غير المنظم للناخبين كأفراد، بتقسيم الصوت الانتخابي بين مرشحي أحزاب تتشابه برامجها. فمثلاً دائرة من مائة ألف صوت، تصوّت أغلبيتها، 60 ألفاً، تقليدياً مع العمال يطرح فيها حزبان آخران موقفاً أكثر وضوحاً من موقف العمال الغامض من «بريكست». إذا كان نصف مصوتي العمال التقليديين مع البقاء في الاتحاد الأوروبي وتوزعت أصواتهم بين مرشحي الديمقراطيين الأحرار والخضر والمستقلين فسينتهي الأمر بفوز المحافظين بـاقل من 30 ألفاً (من البقائيين) كأكبر عدد يحصل عليه مرشح واحد من مجموع مائة ألف صوت.
هذا العامل هو الأخطر على المحافظين الذين يستهدفون دوائر صوّتت لـ«بريكست» خصوصاً دوائر الطبقات العاملة في مناطق الشمال الصناعية التي خذلها نوابها من الأحزاب الأخرى بعرقلتهم لـ«بريكست». حزب «بريكست» الذي تضعه استطلاعات الرأي في المركز الثالث بعد العمال وأعلى من الديمقراطيين الأحرار بست نقاط، زعيمه نايجل فاراج، وهو مثل رئيس البرلمان السابق جون بيركو، نرجسي النزعة، غاضب من تقليل المحافظين من شأنه برفض التحالف انتخابياً معه، وضع مرشحين في 600 دائرة مما يهدد بتقسيم الصوت الانتخابي في أكثر من مائتي دائرة يميل ناخبوها للخروج من أوروبا. استطلاع مؤسسة «يو - غوف»، أول من أمس (الجمعة)، يبيّن تصويت 56% من الناخبين لحزبي المحافظين و«بريكست»، إذا قُسمت بينهما بينما صوّت 30% فقط للبقائيين سينتهي الأمر ببرلمان معلق.

العامل الآخر هو الانسجام بين مصالح صحافة صناعة الرأي العام، خصوصاً الشبكات التلفزيونية والدولة العميقة بمؤسساتها الأخطبوطية في هدفين مشتركين: البقاء في الاتحاد الأوروبي، والتوصل إلى برلمان معلق كمرحلة لتغير دستوري في الإجراءات الانتخابية.
«الدولة العميقة» الأميركية في تسريباتها التي تقوّض مركز الرئيس دونالد ترمب لصحافة تشاركها العداء لإدارة الرئيس وبرنامجه السياسي، تعد طفلاً بريئاً مقارنةً بدهاء نظيرتها العجوز البريطانية.
ربما تظهر معلومات وفضائح حتى لو ثبت بعد فوات الأوان أنها مفبركة، تؤثر على الرأي العام وقد تؤدي إلى تحويله. الاتحادات العمالية جزء من المؤسسة الثابتة. اتحاد عمال البريد ينظم إضراباً عاماً عشية الانتخابات مما سيؤثر على التصويت بالبريد. معظم المصوتين بريدياً هم المغتربون وكبار السن غير القادرين على الذهاب إلى مراكز الاقتراع ونسبة التصويت للمحافظين هي الأعلى بين الفئتين.
شبكات التلفزيون معظمها مع إلغاء «بريكست» لمصالح تجارية وتسعى إلى برلمان معلق قد يرغم الائتلاف القادم على تغيير النظام الانتخابي من الدوائر المباشرة إلى التمثيل النسبي بالقوائم.
شبكات التلفزيون، خصوصاً التجارية، تفضل نظام التمثيل النسبي، حيث تصبح المناظرات والإعلانات التلفزيونية على المستوى القومي أهم من جولة المرشحين على أبواب المنازل.
لا يوجد استثناء واحد لنظام تمثيل نسبي في الديمقراطيات الغربية لا تأتي انتخاباته ببرلمان معلق تنتهي بحكومات ائتلاف بطبيعتها ضعيفة غير قادرة على تطبيق أي برنامج انتخابي، عاجزة عن إجراء إصلاحات شاملة وعدت بها الناخب.
صعوبة تشكيل ائتلاف في برلمان معلق وضعف موقف السلطة التنفيذية في هذه الحالة يقوّي من سلطة ونفوذ وصلاحيات الدولة العميقة المكونة من الموظفين الثابتين الدائمين، مما يفسر زيادة التسريبات التي تستغلها الشبكات المناهضة للمحافظين، وتؤثر بدورها سلبياً على مزاج الناخب.

حزب العمال يريد تأجيل حسم «بريكست»، واعداً باتفاق مع الاتحاد الأوروبي يطرحه لاستفتاء عام تدعو الحكومة العمالية نفسها الناخب إلى رفضه، وهو تسويف يُرضي بروكسل وتحالف البقائيين. كما يَعِد العمالَ الحزبُ القومي الاسكوتلندي، المتوقع فوزه بأغلبية مقاعد اسكوتلندا، بإجراء استفتاء ثانٍ على استقلال اسكوتلندا لإغرائهم بالانضمام إلى ائتلاف يتزعمه العمال.
العمال لا يُخفون برنامجهم الاشتراكي كالتأميمات بالاستيلاء على ما قيمته 430 مليار دولار من أسهم ثمانية آلاف من الشركات الكبرى التي توظف 10 ملايين و500 ألف شخص وتمثل 70% من شركات التجارة في البورصة. وتمويل التأميمات بفرض ضرائب، تهرب منها رؤوس الأموال، وطبع أوراق نقدية مما سيرفع من معدلات التضخم مخفضاً قيمة الإسترليني وبالتالي قيمة الاستثمارات الحالية الموجودة.