&محمد ماموني العلوي

بيابة ينتمي إلى الحزب الدستوري المعروف بتوفره على طبقة رجال الأعمال، وجلّ الأبواب مشرعة أمامه سواء داخل تنظيمه السياسي أو خارجه، ليس آخرها باب الوزارات الثلاث التي فتحت له دفعة واحدة.

&يبدو وكأنه مُصِرّ على السير عكس التيار. الكل نبهه كي يعيد ترتيب أبجديات تواصله والارتقاء إلى حجم المهام الملقاة عليه. لكن دون جدوى. ربما إحساسه بثقل المسؤولية الجسيمة هو ما يجعله يتعثر ويتلعثم منذ اليوم الأول لتنصيبه ناطقا رسميا باسم الحكومة المغربية، فآخر ما نطق به،&الحسن عبيابة، كان كارثيا بالمعنى الدبلوماسي عندما أخذ الكلمة موجها التحية بشكل مكتوب إلى الرئيس الموريتاني الذي كان حاضرا في مهرجان بمدينة شنقيط في الجارة موريتانيا، فدعاه بـ”السيد محمد ولد الشيخ العزوزي”، بدلا من “الغزواني”.

ودون الوقوف عند الأخطاء الإملائية للوزير، تم وصف ما حدث عند تمثيله المغرب كضيف شرف في حفل افتتاح النسخة التاسعة من مهرجان المدن القديمة في شنقيط، الذي نظم الشهر الماضي، بالخطأ الفادح الذي لم يكن عليه الوقوع فيه، وهو وزير يجمع بين مهام الثقافة والشباب والرياضة، لهذا فموقع عبيابة، يحتاج إلى الكثير من النظر في الكفاءة التي يحملها الوزير بين أوراق سيرته العلمية والمهنية.

هناك من انبرى للدفاع عن خطأ الوزير متسائلا لمن يجب أن يوجه له اللوم إزاء هذه “الزلكة”؟ هل للوزير نفسه، أم للمستشارين من ديوانه الذين عادة ما يقومون بإعداد الكلمة، ويتحرون فيها كل الشادة والفادة؟ وأفردوا لدفاعهم منطق المقارنة حول ما هو موقع وحجم الإساءة للدولة داخليا وخارجيا بشأن زلة وزير الدولة المصطفى الرميد حين شبه فرنسا بحركة طالبان.

وتفاعلا مع ما صدر عن الوزير ذهب المحلل السياسي، محمد بودن، إلى أن عبيابة، لا ينفع لأن يبقى دقيقة أخرى في منصب الناطق الرسمي، لأن تحديات المرحلة كبيرة جدا وبقاء الناطق الرسمي باسم الحكومة في منصبه سيفسره البعض سباحة ضد التيار وخطوة نحو الخلف، وسيؤثر لا محالة على ما تبقى من الثقة بل وقد يمتد التأثير إلى المشاركة في الانتخابات القادمة وقد يشمل التأثير كذلك صورة البلاد ومصالحها العليا.

خيارات العثماني

عبيابة وافد جديد على حكومة العثماني المعدلة اكتوبر الماضي. قدمه حزبه ككفاءة لا يشق لها غبار في مجالات الثقافة والسياسة والاقتصاد

&هل ستكون تلك الهفوة درسا قيما على حساب موقعه كناطق رسمي باسم الحكومة؟ لا ندري. لكن رئيس الحكومة سعدالدين العثماني عبر عن أنه ليس لديه النية لإعفاء عبيابة من مهمته ونفى أن تكون هناك أي مباحثات بين الأغلبية الحكومية في هذا الشأن. دفاع العثماني عن عنصر من التحالف مفهوم، إذا ما علمنا أن جل وزراء الحكومة وقعوا ضحية ألسنتهم أو ارتكبوا أخطاء بروتوكولية.

تصريحات الوزير المغربي تعبير عن حالة نفسية مفهومة أيضا، حيث أراد من خلالها التنفيس على ما يعتقد أن هناك من الصحافيين قد أساء إليه بنشر أخبار سقطاته وطالب بإقالته، وإلا ما معنى أن يتوعد الصحافيين في آخر ندوة معهم الأسبوع الماضي، بأن صدره منفتح ومتسامح مع الجميع، مستدركا أن الإساءة لا تتقادم أبدا، وهذه مسألة مهمة، وهذه بلا شك إحدى هفوات الرجل المتتالية التي لا تكاد تنتهي منذ تحمله مسؤولية الحديث باسم الحكومة كمؤسسة دستورية، وهو يعتقد ببساطة أنها تشبه مهمته ناطقا رسميا باسم حزبه الاتحاد الدستوري.

مباشرة بعد تنصيب الحكومة خرج عبيابة الناطق الرسمي باسمها أمام الصحافيين للتواصل والتعارف، كانت كبوة هذا القيادي المنتمي إلى حزب شعاره الحصان، فتصريحاته لم تكن في مستوى التطلعات، وتواصله اعتبره الكثير من المتابعين لا يعكس ما حصل عليه الرجل من خبرة وشهادات جامعية، وكعضو في اللجنة الدولية للدراسات التابعة للعديد من مراكز البحث والدراسات، ورئيس للمنتدى الليبرالي للدراسات والأبحاث.

يعتبر عبيابة من الوافدين الجدد على حكومة العثماني المعدلة في أكتوبر الماضي، قدمه حزبه باعتباره كفاءة لا يشق لها غبار في مجالات الثقافة والسياسة والاقتصاد على اعتبار السيرة العلمية للرجل، وعلى ذلك الأساس تم اختياره وزيرا للثقافة والشباب والرياضة، وناطقا رسميا باسم الحكومة.

&فرح عبيابة كثيرا بمنصبه الجديد، معتبرا نفسه طاقة وأملا كبيرين في بناء مغرب واعد وصاعد وقوي، وأن هذه الطاقة ستنعكس في بلورة برامج عملية، وستجعل من الرياضة والثقافة قاطرتين للتنمية والتوعية بالمواطنة. إنها حماسة الموقع وسحر اللحظة لكن الواقع شيء أكبر بكثير من أضغاث الأحلام.

وفي كل مرة يحاول عبابية بناء جسر للتواصل مع الصحافة، تجر عليه تصريحاته غير الموفقة غضب هؤلاء، وانسجاما مع هواجسه صرح بنشوة غامرة أن قطاع الاتصال بالحكومة يسعى إلى إخراج قانون جديد يضبط النشر على وسائل التواصل الاجتماعي.

المنطقة الخطرة

أحدث مفاجآت الحسن عبيابة يبدو كارثيا بالمعنى الدبلوماسي، وذلك حين أخذ الكلمة موجها التحية بشكل مكتوب إلى الرئيس الموريتاني راعي مهرجان مدينة شنقيط في موريتانيا، فدعاه بـ "السيد محمد ولد الشيخ العزوزي"، بدلا من "الغزواني"

خالد العثماني عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الشباب العربي الليبرالي، أكد أن اختيار عبيابة يبقى صائبا لكونه رجل توافقات وليس صدامات، كما أنه رجل مواقف، ولا يخاف التعبير عن رأيه بصراحة، حتى لو كلفه ذلك خسائر على المستوى الشخصي. ولا يعرف أحد متى خسر الرجل على المستوى الشخصي أو العملي، بل بالعكس فهو ينتمي إلى الحزب الدستوري المعروف بتوفره على طبقة رجال الأعمال، وجل الأبواب مشرعة أمامه سواء داخل تنظيمه السياسي أو خارجه، ليس آخرها باب الوزارات الثلاث التي فتحت له دفعة واحدة.

ليست مفاجأة أن يرى المحبون تحمل عبيابة لثلاث حقائب وزارية امتيازا، لأنه أحد الباحثين الجامعيين القلائل في العالم العربي في مجال الحوكمة واللامركزية، ويبرر المدافعون عنه هذا المعطى بكون قطاعات الشباب والرياضة والثقافة، تحتاج إلى التدبير والحوكمة أكثر من الاعتمادات المالية.

يرى البعض أنها نظرية تستحق التجريب، يقولون: سوف نرى ماذا سيفعل الوزير في هذا الملف، خصوصا وأنه في وقت سابق أقر سلف عبيابة في الوزارة، بأن الدولة تعاملت مع مجال الإبداع الثقافي والفني، ليس كقطاع منتج يتطلب تدابير اقتصادية واجتماعية ومؤسساتية، بل اعتبرته حقلا للهواية بما تعنيه من نكران للذات. وما يخبرنا به الكاتب أديب السلاوي، متسائلا هل تملك حكومة المغرب الجديدة/ القديمة تصورا استراتيجيا متكاملا للتغيير الثقافي، يأخذ بعين الاعتبار التبدلات السريعة التي حدثت في القيم الثقافية بمغرب الألفية الثالثة؟ وهل تعي هذه الحكومة ووزارتها المكلفة بالشؤون الثقافية، تبدل الأنساق الثقافية وقيم التبادل الثقافي؟ أم أن خطابها الثقافي ما زال منغمسا في الأحلام الرومانسية والشعارات الدعوية الجوفاء؟

إذا اعتبرنا أن الأغنية عمل ملتصق بالفعل الثقافي والقيم المجتمعية المختلفة المعبرة عن تحولاته، وهي كذلك عنصر مؤثر في توجهات ذلك المجتمع حسب اختياراته وذائقته وتطلعاته، وللوزير عبيابة، كممثل لصوت الحكومة، رأيه في ما يجب أن تتضمنه الأغنية في تعبيراتها وطريقة أدائها وكلماتها، فأي أغنية كيفما كانت، يجب أن تحترم حقوق المغاربة، والمواطنين، والثوابت، والمبادئ، التي تربى عليها المغاربة؟

ولكي يضفي مسحة سلطوية على رأيه في الفن، فقد اعتبره عبيابة، وسيلة للتعبير والفرجة، وليس لأمر آخر، وبالتالي نحن دولة الحق والقانون، والقانون على الجميع، ويجب أن يكون القانون فوق الجميع، وغير مقبول أي سلوك، أو تصرف يكون خارج القانون؛ تصريح اعتبره مثقفون يتعارض مع طبيعة الفن ورسالته ويطلق اليد للرقابة الأمنية على الإبداع.

تحسين أوضاع الفنانين وإعادة الاعتبار لهم كما ترى وزارة الثقافة التي يديرها عبيابة، لا يقتصران فقط وحصرا على خدمات النقل السككي فالكثير منهم يعيشون الكفاف وهناك من لا يجد ثمن الدواء أو العناية الطبية اللازمة، ناهيك عن توفر السكن اللائق والعيش الكريم لصاحب الرسالة الفنية، فأين هي امتيازات بطاقة الفنان المهني مع العلم أن للوزارة مقاربة خاصة في الدعم المالي حيث اختصرته في توزيعه على بعض الفنانين.

&دمج الرياضة والثقافة إلى جانب قطاع الاتصال، وتدبيرها معا، لا يشكل مهمة صعبة بالنسبة لعبيابة، بقدر ما يتطلب اتباع منهجية تقوم على تدبير إداري ناجع، وتعزيز العلاقات مع مختلف الشركاء والفاعلين، ولاسيما المجتمع المدني، من خلال إرساء ثقافة للشراكة والإنصات، والدليل حول هذا الخطاب الغارق في التفاؤل السوريالي سيكون محبطا للغاية مع واقع هذه القطاعات الثلاثة.

ونظرا لاشتغال عبايبة عضوا في اللجنة الوطنية للحوار حول المجتمع المدني، التي كانت تحت إشراف الوزارة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني، فمن خلفيته تلك يتمنى أكثر من مهتم أن يعمل على تنزيل جميع النصوص التنظيمية المرتبطة بقانون الفنان وإعطاء أهمية أكثر للجمعيات التي تعمل على تأطير شباب المغرب وتقع تحت مسؤوليته ومراقبتها.

الريع الثقافي والرياضي وجوهه متعددة، ليس أقلها امتيازات السفر والموائد الفاخرة والفنادق المجانية وأولئك الذين يتقاضون الأجور دون الالتزام بعملهم، وهذا ما يلح عليه النقابيون والغيورون على
&المال العام.

وينتظر الاتحاد العام للشغالين، جوابا من وزير الرياضة والثقافة على رسالتهم حول فضيحة ترقيات خاصة بموظفين أشباح في الشباب والرياضة، بعد أن شكلت الوزارة لجان امتحان مرفوضة من قبل النقابة بسبب ترجيحها كفة الأصدقاء والمقربين وفق منطق الولاء والطاعة العمياء.

إذا كان عبيابة يقر بأن هناك مفسدين موجودين حقا، وأن الفساد ليس دائما هو الخروج عن القانون، فهناك بعض القوانين التي فيها فساد، وتجدها معيبة وظالمة، ويجب التخلص منها. في حقيقة الأمر لقد أصبح هذا السؤال مزعجا للغاية لأي شخص يتحمل المسؤولية، وبالتالي الأولى من منطلق أخلاقي والإرادة السياسية التي عبر عنها قبل الوزارة أن يضع حدا للكثير من أوجه الفساد التي طفت على السطح في قطاعات تقع تحت سلطته وقد أشارت إليه الجامعة الوطنية لموظفي وزارة الشباب والرياضة.

لا يزال الوقت مبكرا حتى نحكم على أداء عبيابة كوزير في مجال الثقافة والشباب والرياضة والاتصال، وهذا لا يعفي من إبداء ملاحظات ضرورية، إذ يبدو أن للرجل نظرته لقطاع الإعلام، تنحو اتجاه دعمه والعناية به على الأقل في شقه المادي، بدعم الإنتاج الإعلامي الوطني وتقوية مكانة المؤسسات الصحافية، وتعزيز الدعم الموجه للصحافة الورقية والرقمية وتقنينه وفق معايير محددة تضمن تكافؤ الفرص وجودة الإنتاج.

يتساءل البعض؛ ما الذي سيسهم به الوزير الحاصل على دكتوراه الدولة في الدراسات الجيوسياسية، وعلى دكتوراه وطنية في تدبير الموارد البشرية، في قطاع الاتصال والثقافة والرياضة، في زمن التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي وصناعة المحتوى وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي على صناعة الرأي وتأثيرها في مخرجات العملية الديمقراطية شرقا وغربا؟

المواطن العادي يريد من عبيابة كسياسي يشغل منصب رئيس التحالف العربي من أجل الحرية والديمقراطية، ترجمة كل ما يؤمن به من قيم ليبرالية، وأن يخرج من حالة الإنكار بسبب المنصب الوزاري ويقوم بمبادرات في مجال عمله واختصاصه اتساقا مع ما كان يدعو إليه بأن الخطاب الشعبوي للأحزاب يؤثر على ثقة الكثير من رجال الأعمال وغيرهم.

وإذا كان المزج بين الديمقراطية الليبرالية والمبادرة الحرة ساعد على نقل الولايات المتحدة والدول الغربية من مرحلة إلى أخرى ميزتها التطور الاقتصادي والرفاه ومضاعفة الدخل وانتقال مئات آلاف المواطنين من مرحلة الفقر المادي، فماذا سيقدمه عبيابة، ممثلا للنهج الليبرالي، لميدان الثقافة والإعلام والرياضة، وهو الآن ترس مهم في آلة السلطة وصناعة القرار.

&