&محمد آل عباس

&

سعدت وشرفت أن كنت أحد الحضور والمتحدثين في منتدى الشفافية الثامن الذي عقدته جميعة الشفافية الكويتية مطلع هذا الأسبوع، ولعل من اللافت للانتباه لشخص مثلي زار الكويت قبل عقد من الزمان وعاد اليوم إليها زائرا تلك النقلة الاقتصادية و الحضارية التي تشهدها الكويت في ظل قيادة الشيح صباح الأحمد، خاصة مع تبني الكويت "رؤية 2035"، التي تؤتي ثمارها بكل وضوح في نقل الكويت في جميع المجالات إلى مرحلة مختلفة، لعل أهمها هو تجاوز صدمة الاحتلال التي أثرت في الكويت لأكثر من عقد.

لقد شرفت بزيارة الكويت قبل نحو عقد وكان تعبيري حينذاك أن الكويت لم تزل رهينة الآلام التي خلفها الاحتلال العراقي، لكن اليوم تبدو الكويت شابة من جديد، أقولها وأنا كلي سعادة: لقد عادت الكويت منارة للحضارة في الخليج، وعاصمة ثقافية بكل معنى الكلمة، عادت الكويت ببهجتها، بروح الفنون فيها في جميع التفاصيل من المباركية إلى الأبراج، عادت الكويت بأناقتها، بحدائقها، بأبراجها، عادت وثابة تريد أن تطير لا أن تسير، في الكويت شاهدت الأبراج وهي تتخلى عن وشاح الحزن وذكريات المأساة، وتصبح منصة شامخة ترسم صورة المستقبل والطموح وأنت ترى الكويت من أعلى أبراجها وهي تنمو وتزدهر، هناك ترى جسر الشيخ حابر الصباح رمزا للوفاء وعلامة حضارية مشرقة وعقدا من اللؤلؤ على عنق الفاتنة. في الكويت وعلى هامش المنتدى وضمن فعالياته التقى جميع المحدثين الذين تم استقطابهم من دول مختلفة عربية وعالمية شباب الكويت، شبابا لم تصل أعمارهم إلى الـ30 بل هم أصغر، ضمن مشروع ديوانيات شبابية، في مقهي شبابي بكل تفاصيله معد لهذا الغرض، شبابا في حوار يتحدثون أكثر من لغة بطلاقة مدهشة، يتحدثون عن الشفافية

ومكافحة الفساد بوعي جعلني أنتقي كلماتي بحرص شديد وأنا أشاركهم وعي المجتمع، وفي قلب أروقة المنتدى وبين جلساته تجد هؤلاء الشباب على اختلاف مذاهبهم حتى مدراسهم الفكرية يناقشون قضايا في غاية الأهمية مع أعضاء من مجلس الأمة الكويتي وأصحاب القرار من هيئات ذات علاقة بهم، مثل هيئة الشباب. كل هذا الحوار الثقافي البارز وجد طريقه بسهولة في منتدى الشفافية.
الشفافية ليست شعارا بل ممارسة حقيقية، لا يمكن الحديث عنها في معايير أو قواعد، لا يمكن وضعها في نموذج أو قالب، بل هي مصداقية وثقة يشعر بها الآخر، منتدى الشفافية في الكويت تحدث باسم الشفافية كمنبر لها وحضر رئيس المنظمة العالمية للشفافية وممثلون من جميع أنحاء العالم ممن آمنو بها حلا استراتيجيا تزامنا مع اليوم العالمي لمكافحة الفساد، واتفق الجميع هناك على أن ممارسة الشفافية ضمن أطر الحوكمة هي المسار الصحيح لبناء الثقة بعمل الأجهزة التنفيذية سواء في القطاعين الخاص أو العام، فالثقة هي ركن الزاوية بلا شك، ذلك أن من السهل علينا إعداد التقارير وكتابة الأرقام أو نشرها على أوسع نطاق، لكن الشفافية حالة ذهنية بحتة يعيشها معدو التقارير أنفسهم القادرون على الحكم على مستوى الشفافية التي قدموها، هذه الحالة الذهنية لا يمكن لأحد قياسها رغم المحاولات الكثيرة "علميا" لقياسها من خلال مقاييس جودة المعلومات، ومن خلال أدوات الرقابة، لهذا سعى العالم إلى تطوير منظومة تبدو مزدادة تعقيدا يوما بعد يوم.
فهناك معايير الحوكمة التي تسعى إلى منح مزيد من الثقة في علمية إعداد التقارير من خلال إشراك أصحاب المصلحة والمستقلين، لكن بنية التقارير نفسها ظلت عائقا أمام قدرة مبادئ الحوكمة على إنتاج الثقة، ولهذا تم كثير من العمل من خلال مؤسسة الشفافية العالمية ومن خلال منظمة الأمم المتحدة على تبني معايير أكثر صرامة تجاه الاستدامة، هذه المعايير تتحول تدريجا إلى معلومات تتضمنها التقارير من أجل القول: إن الشفافية قد تحققت.

لقد دارت النقاشات في منتدى الشفافية الثامن في الكويت حول هذه العلاقات التشابكية بين المعايير الدولية والحوكمة والتطبيقات المحلية، وأدارت جميعة الشفافية الكويتية الحدث ببراعة في التنظيم، وجاهزية عالية، وحضور قوي من مؤسسات وفاعلين في المجتمع، ثم نقلت الحوار من خلال ديوانيات الشباب إلى المجتمع وعادت في اليوم الثاني للمؤتمر بالأفكار مجتمعة لتضعها أمام عدد من أجهزة الدولة وأعضاء مجلس الأمة، هذه هي تجربة إحدى مؤسسات المجتمع المدني الفعالة في الكويت التي كما أشرت أول المقال تعطي صورة حديثة جدا لما أصبحت عليه الكويت من إشراقة جديدة.

&