&محمد الوعيل

&كنت أتمنى أن يكون من ضمن منتدى الإعلام السعودي الدولي الذي استضافته الرياض بحث دور الوصول لإعلام خارجي سعودي بالاستفادة من القدرات والكفاءات العالمية المشاركة، أو تبني توصية بإنشاء هيئة مستقلة للإعلام الخارجي ترتبط بمجلس الوزراء ترسم لنا خارطة طريق للتعامل مع الآخر إعلامياً بالفكر والعقل..

هل صحيح، كما قال البعض على بعض وسائل التواصل الاجتماعي، إن ‏الإعلام السعودي يعاني من مشكلة مزمنة تتمثل في التركيز على الشأن المحلي وإغفال بناء إعلام خارجي فاعل ومؤثر لمخاطبة العالم وإبراز جهود المملكة ودورها المحوري على المستوى الإقليمي والدولي؟

لا أملك إجابة قاطعة بهذا الشأن شديد الحساسية، وإن كنت أرى - من خلال مسيرة مهنية طويلة في الإعلام والصحافة - أننا بحاجة فعلاً للنظر في هذه المسألة، إذا كنا نريد فعلاً أن نعبر عن سعوديتنا الجديدة بما تشهده من خطط إصلاحية ومحاور بناء استراتيجية، لنتوازى على الأقل مع رؤية 2030 الاستراتيجية الهادفة لنقل بلادنا خطوات أبعد تنموياً واقتصادياً ومجتمعياً.

وفي ظني المتواضع، فإن حركة الإصلاح المتتالية الراهنة لا بد أن يستتبعها إعلام قوي يشرح للعالم ويوضح رؤيتنا ومجمل حركتنا، لا أن نظل دائماً في موقع رد الفعل للحملات المغرضة المحمومة التي تنهشنا وتنال منا، صحيح أن الإعلام القوي خارجياً لا بد أن يسبقه إعلام أقوى داخلياً يستنهض المواطن، ويسهم في شحذ وعيه الوطني تجاه المخاطر والتحديات التي نتعرض لها، ولكن علينا أن نفهم أن الإعلام هو سلاحنا وقت السلم، بمثل ما البندقية هي سلاحنا وقت الحرب.

كلنا - وخاصة المخضرمين منا - رأينا وسمعنا وقرأنا كيف كان الإعلام الموجه في شكله التقليدي خاصة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، قد نجح في بناء رأي عام مغاير تماماً ربما للحقائق، بمثل ما رأى المعاصرون منا وفي العقود الثلاثة الأخيرة تحديداً، ماذا فعلت وسائل إعلام وفضائيات بعينها في تدشين أجندات بعينها ورعاية مفاهيم واستراتيجيات ثبت أنها وجه آخر للخراب.. وما حدث في فترة ما يعرف بـ"الربيع العربي" وقبله غزو العراق خير مثال، حيث سقطت بغداد إعلامياً قبل أن تسقط فعلياً، ودمرت عواصم عربية باسم شعارات تم الترويج لها بخبث، وللأسف على يد فضائيات انتمت للعروبة زوراً وبهتاناً.

لا ألوم إعلامنا المحلي على محليته، لأنه هو الآخر ولسوء حظه، وقع في أتون صراع مع وسائل الإعلام الجديد التي انتزعت السبق واستحوذت على انتباه وتركيز الكثيرين - وربما هذه قضية ليس هذا مجال الحديث عنها الآن - ولكن بالمقابل لا يمكن إغفال الدور الشعبي الذي تصدى من خلاله المواطن السعودي للحملات المغرضة على وسائل الإعلام الجديد، ومواقع التواصل الاجتماعي دفاعاً عن وطنه وقيادته، وبشكل يمكن القول بثقة إنه انتزع زمام المبادرة من وسائل الإعلام التقليدي - إن لم يكن تفوق عليها - وخاصة في الأعوام الخمسة الأخيرة وما شهدته من أحداث، تعرضت المملكة فيها لأعنف حملة تشويه ممنهجة ومقصودة ومفتعلة، بالتزامن مع ما تخوضه من حرب في الحد الجنوبي بمواجهة ميليشيات الطائفية والعمالة، وما تمثله من عدوان علينا وتهديد لسيادتنا ووحدتنا.

هذه النقطة الأخيرة، تعيدنا إلى صلب الموضوع بشدة، وهو كيفية بناء إعلام خارجي يخاطب بالإقناع، ويشرح بالوثائق والحقائق، بعيداً عن الشعبوية أو الديماغوغية، ويرسخ لمفهوم السعودية الجديدة وسط العالم.

ربما كنت أتمنى أن يكون من ضمن منتدى الإعلام السعودي الدولي الذي استضافته العاصمة الرياض، قبل أسابيع قليلة، بحث دور الوصول لإعلام خارجي سعودي بالاستفادة من القدرات والكفاءات العالمية المشاركة، أو تبني توصية بإنشاء هيئة مستقلة للإعلام الخارجي ترتبط بمجلس الوزراء ودعمها بالخبراء المتخصصين من الداخل - وما أكثرهم - مع الاستعانة بكفاءات دولية، ترسم لنا خارطة طريق للتعامل مع الآخر إعلامياً بالفكر والعقل.. خاصة أننا مقبلون على مرحلة جديدة من التنوير والانفتاح غير المسبوق، نحتاج فيها لكل الطاقات المبدعة والأصوات الرصينة التي تجيد التفاعل مع المحيطين الإقليمي والدولي.

أعتقد أننا، وفي ظل هذه المرحلة ومن أجل المستقبل، وما هو أكثر.. أملي كبير في معالي وزير الإعلام الأستاذ تركي الشبانة - وهو رجل يحمل على عاتقه مهمة الصوت الإعلامي السعودي بصيغته الجديدة والواعدة - أن يفعّل هذا التوجه.. من أجل الوطن.. والوطن أولاً وأخيراً.