نجاة السعيد

لاشك أن إعداد استراتيجية للإعلام البترولي يعتبر في غاية الأهمية، خاصة لدول الخليج العربية، كون البترول يعتبر سلعة استراتيجية ومصدراً رئيسياً للطاقـة والمحرك الأساسي لاقتصاديات هذه الدول، وأهمية هذه الاستراتيجية تكمن في محاولات البعض للتقليل من أهمية البترول كمصدر رئيسي للطاقة، والحملات الإعلامية التي تشكك بعدم مقدرة دول الخليج على ضمان أمن الإمدادات. وبالرغم من أن دول الخليج واعية لكل هذه التحديات، فإن تفعيل هذه الاستراتيجية الإعلامية ليست على الوجه المطلوب لمواجهة هذه الحملات المغرضة.

لقد كانت هناك عدة ملتقيات للإعلام البترولي في دول الخليج، كان آخرها في أبوظبي عام 2017، ومن أبرز توصياته: تعزيز صورة قطاع النفط والغاز على الصعيد المحلي والدولي، توثيق التعاون بين أجهزة الإعلام البترولي التابعة لوزارات البترول مع وسائل الإعلام المحلية والعالمية، كذلك جذب طلبة جيل الألفية لإعلام الطاقة والاتصال من خلال المناهج الدراسية، وزيارات المتخصصين في هذا القطاع إلى المدارس، وأيضاً إنشاء معاهد إعلامية في مجال الطاقة لتدريب وتطوير صحفيين متخصصين في هذا المجال. كل هذه توصيات مهمة جداً، كان لابد من تفعيلها بوتيرة أسرع.

وكما حرصت دول الخليج على تعزيز صورة قطاع النفط والغاز، اهتمت أيضاً بالاستثمار في الاستدامة البيئية وفي الطاقة النظيفة، لتجنب العواقب الوخيمة للتغير المناخي. وقد تجلى ذلك في أسبوع أبوظبي للاستدامة، الذي كان في هذا الشهر الجاري، لإقرار رؤية الإمارات 2021 على استراتيجية التنمية الخضراء التي تشمل أيضا الاستثمار في الطاقة الشمسية.
ونظراً لأهمية موضوع البترول، سواء من ناحية أنه مصدر أساسي لثروة دول الخليج، أو ما يترتب عليه من اهتمام في المشاريع المستدامة، يعتبر أمن هذه الدول والسياسات الخارجية التي تتعلق باستقرارها أمراً خطيراً لا يمكن الاستهانة به، لذلك مقال مثل The Middle East Isn’t Worth It Anymore في وول ستريت جورنال لـ Martin Indyk مارتن إنديك، كبير باحثي مجلس العلاقات الخارجية ومبعوث السلام الأميركي في عهد باراك أوباما، لابد أن لا يمر مرور الكرام.
نجد أن مقال «إنديك» مليء بالمغالطات، فقد بدأ المقال بوصف منطقة الشرق الأوسط بالمنطقة المضطربة، وإنه لمن المستغرب بعد أربعة عقود خبرة في مجال الدبلوماسية، لم يستطع أن يحلل أن الكثير من هذه الاضطرابات سببها أخطاء في السياسة الخارجية الأميركية، والتي كان آخرها دعم أوباما غير العقلاني لما سمي بـ «الربيع العربي» أو بالأصح دعمه لدعاة الإسلام السياسي، الذي أدى إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.
كذلك الانسحاب المبكر للقوات الأميركية من العراق وتسليمه بالكامل إلى إيران، إضافة إلى 150 مليار دولار غير 1.8 مليار دولار نقدًا، أعطيت للنظام تبعاً للصفقة النووية، مما أدى إلى هيمنة نظام معروف بسلوكه منذ 1979، وهذا كان أحد الأسباب الرئيسية للهجوم على المنشآت النفطية في السعودية.

ذكر «إنديك» أيضاً في مقاله، أن الاقتصاد الأميركي لم يعد يعتمد على البترول المستورد من الخليج العربي، لكن الواقع يقول غير ذلك، تنتج الولايات المتحدة حوالي 12 مليون برميل يومياً، لكنها تستهلك 20 مليون برميل يومياً، مما يعني أنها يجب أن تستورد الباقي، وتحديداً من دول الخليج، لأن المصافي الأميركية تفضل نفطها.
نتيجة لذلك، لابد من إعلام بترولي قوي لدول الخليج وتوعية الأجيال بالثروة النفطية من خلال المناهج التعليمية، وكذلك بتدريب صحفيين متخصصين في هذا المجال. أيضاً لا يمكن أن تكون دول الخليج رهينة لسياسات قوى خارجية غير سوية تجعل أمن ثرواتها في خطر.