خالد أحمد الطراح

أصبح مصطلح «الحمية الغذائية» للتخلص من الوزن الزائد أو تنظيم ساعات الأكل وعدم الإفراط في عدد الوجبات، واصبحت الحمية مصطلحاً ذهنياً ايضاً، ولكنه يختلف عن هدف الحمية الغذائية. فالفرد بحاجة الى حمية ذهنية من اجل الوصول الى صفاء ذهني خال من ترسبات الماضي والمنغصات والضغوط النفسية، التي تسيطر على العقل حيناً وتدهم النفس البشرية الضعيفة حيناً آخر. صحيح ان الذاكرة البشرية تختزن طوعياً العديد من الأمور والأحداث، ولكن ليس كل فرد قادرا على التعامل مع تصفية الذاكرة او تنقيتها من شوائب الحياة السلبية، فلكل إنسان طاقة وقدرات تختلف عن الآخر. هناك من يتمتع بالنسيان، وهناك القادر على تجاهل المنغصات، وهناك الإنسان القلق، الذي يغمض عينيه في النوم، بينما عقله لا ينام.. يستيقظ مبكراً قبل الجسد محتضناً ازدحاماً ذهنياً من دون مبرر موضوعي! يعتبر كثيرون شهر يناير، اي بداية العام الميلادي الجديد، شهرا لخوض هذه التحديات..

تحديات السمو فوق حالات الانغماس في العام المنصرم، ومواجهة العام الجديد بحمية ذهنية اعتمادا على قوة ذاتية لتحقيق الهدف الحتمي، الذي يتلخص في الإفلات من الشوائب السلبية القابعة في الذاكرة والوجدان ايضا، فطبيعة الحياة انها ممتلئة بالمفاجآت والأحزان والأفراح.. لكن نمط حياة كل انسان يختلف عن الآخر، لذا يختل ميزان العقل سلباً حيناً وإيجاباً حيناً آخر. صحيح ان الانسان لا يعيش بمعزل عن الآخرين، لكنه صاحب القرار في علاقاته وخياراته اذا ما اراد تطويق بعض العادات والسلوكيات، التي قد تكون من المصادر المؤلمة والمزعجة يومياً، حتى لو كان مصدرها أقرب الناس.. هذا لا يعني الهروب او الاستغناء عن الاعزاء، وإنما ايجاد حلول للتفاهم والتقرب من بعض بكل شجاعة وجرأة حفاظاً على علاقات جميلة مفعمة بالود والبهجة.

اما اذا كانت هناك علاقات مصدر إزعاج ونكد، فلا ينبغي المجاملة على حساب الذات او من اجل هذا وذاك، فالثمن قد يكون باهظاً ومكلفاً على الانسان، اي الضحية، بينما ينجو الجاني بسبب حياء مفرط عند الطرف المجامل. رحلة الحمية الذهنية قد تكون صعبة في بداياتها، لكنها ممتعة ومشوقة في نتائجها، فالتخلص من الشوائب والمنغصات ليس هروباً، وإنما في الواقع هو تعزيز القوة الذاتية لمواجهة النفس البشرية قبل الآخرين، من اجل تحديد مواقع الضعف والقوة، ومن ثم مواجهة مصادر الازعاج والآلام حتى لو كانت مصادرها بشرية، وأحيانا قد تكون ظروفا سياسية معقدة، وما اكثرها في العالم العربي.. عالم لا يعترف باحترام الحريات الفردية والفكرية بوجه خاص! في المجتمع المحافظ والمغلق، لا يستطيع الانسان المجاهرة بالحاجة الى المساعدة النفسية، او ربما بجلسات جماعية لمجموعة من الافراد المستعدة للاستماع الى اصوات اطراف أخرى، حتى لو كان هذياناً في بعض الاحيان..

فالاستماع الى الآخرين يجعل الانسان اكثر قوة للاستماع لذاته والاعتراف بأخطائه وتصحيحها، من اجل حياة زاهرة وواعدة بالسعادة والحب، حتى لو كانت لفترات مؤقتة.. فمن المستحيل ان تكون الحياة من دون منغصات، وربما هذا ما يجعلنا اكثر تقديرا وإدراكا للبهجة والازدهار.