علي حسن الفواز

يضعنا حديثُ الحكومة المقبلة أمام اسئلة مفتوحة، وأمام احتمالات واسعة، وما بين السؤال والاحتمال هناك كثير من الوقائع التي تحتاج من الجميع الى نظرة واقعية، ومواقف مسؤولة، على مستوى الاقرار بالحاجة الى حكومة قوية تحمل سمة الاستقلالية والمهنية، وأن تتعاطى بجدية مع توجيهات المرجعية الدينية، ومطالب الشارع العراقي، وعلى مستوى مراعاة الحساسيات السياسية بين الكتل، وحتى بين المكونات، التي تكرّست للأسف طول ستة عشر عاما من دون مراجعة نقدية حقيقية.

ما بين الشدّ والجذب، والموافقة والرفض، يبدو المشهد غائما، وباعثا على القلق، وقابلا للتصعيد وسط حسابات ومصالح، وربما مساومات تنعكس على مجرى السياسة، وعلى هوية الحكومة ذاتها، وهذا ما يجعل الحديث عن تشكيل الحكومة، والقبول بخيارات رئيس الوزراء المُكلّف أمرا مشكوكا به، ومدعاة لمزيد من الازمات والتأخير، والدخول في عقدة "الفراغ الدستوري". إن مواجهة ازمة تمرير الكابينة الحكومية تتطلب جرأة، وصراحة، وباتجاه يجعل الجميع أمام المسؤولية، وأمام ارادة اتخاذ القرار والموقف الذي نفترضه في ممثلي الشعب، فبقطع النظر عن الاختلاف، هناك سياقات عمل تستدعي معالجة ما يجري، وعلى وفق الممارسات الدستورية التي تجعل الناس يحترمون الديمقراطية، ويطمئنون الى حلولها ومعالجاتها، بعيدا عمّا يسعى اليه البعض من مواقف تقوم على فكرة توزيع الحصص، والمغانم، وبالتالي تعطيل وتكبيل ارادة رئيس الوزراء المكلف من أن يتحمل مسؤولية حكومته، والاشراف على عملها، وقدرته في تنفيذ برنامجه الحكومي.. لقد بات واضحا أن ما جرى في جلسة عدم اكتمال النصاب بدا وكأنه " تمرين" على المواجهة، وعلى ارسال رسائل الى الشارع والى فرقاء السياسة، تتبدى فيها حسابات السياسة وليست حسابات الواقع، وحسابات الكتل وليست حاجات الناس التي تعرضت لكثير من الضرر جراء سوء الادارة، والتعطيل، وعدم التعاطي مع تظاهرات الشارع العراقي بواقعية ومسؤولية. إن رهان اليوم هو رهان وطني واخلاقي، وموقف يتطلب وعيا بخطورة ترحيل الازمات الى المستقبل، لاسيما أن مثل هذا التعطيل سيتسبب في ارباك دستوري، من الصعب السيطرة على تداعياته، وربما سيفتح الباب على مشكلات جديدة وخلافات تدخل الجميع في دوامة البحث عن هوية واقعية لذلك المستقبل، وبالتالي مواجهة الشارع التظاهري وحساباته التي لا تشبه حسابات السياسيين حتما.. لن يكون" الماقبل" شبيها بـــ" المابعد"، إذ يتطلب الأول استعدادا للمبادأة والمبادرة بموقف متعال يسمو على المصالح، ورؤية واضحة تبصر ما في الواقع، ومواجهة يتصارح فيها الجميع أمام بعضهم، ولكي يكون ذلك "المابعد" واقعيا وقابلا للممارسة والتطبيق بعيدا عن الغلو والتخاصم والتهميش.