خالد عباس طاشكندي

في خضم حالة الهلع التي تثيرها جائحة فايروس «كورونا المستجد» (كوفيد-19) الذي انتشر في 196 دولة حول العالم مخلفاً أكثر من 435 ألف إصابة ونحو 20 ألف حالة وفاة حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم يكن العالم مستعداً لسماع المزيد من الأخبار السيئة في هذا الشأن، ولكن «الفايروسات لا تأتي فرادى» على ما يبدو، فقد أثار خبر إعلان وفاة عامل صيني في مقاطعة «يونان» الواقعة جنوب غربي البلاد (الإثنين) الماضي بفايروس «هانتا» الذي يعرف لدى المختصين باسم «الحمى النزفية الوبائية» أو «الحمى النزفية والمتلازمة الكلوية»، ذعراً ومخاوف واسعة النطاق على مواقع الإنترنت وبين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، فخلال ساعات قليلة من انتشار الخبر تصدر وسم «HantaVirus» قائمة الأكثر تداولاً على مستوى العالم، وضجت هذه المواقع بأسئلة عديدة تعبر عن قلق الكثيرين من احتمالية انتشار هذا الفايروس بين البشر ليحدث ضربة مضاعفة للبشرية تزامناً مع جائحة كورونا التي لم تنته بعد. ولذلك، فإن هذا التقرير يسلط الضوء حول العديد من التفاصيل حول هذا الفايروس، بدءاً من الحالة المصابة ومروراً بسلسلة من المعلومات حول هذه الفايروسات استناداً إلى أدق المصادر العلمية في هذا الشأن.

بداية، كان العامل الصيني الملقب «تيان»، متجهاً في طريقه إلى مقاطعة شاندونغ للعمل مع 29 شخصاً آخرين في حافلة مستأجرة الإثنين الماضي، لكنه بدأ يشعر بتوعك في الطريق فتم إرساله إلى مستشفى في مقاطعة نينغشان بمحافظة شانشي، وهناك توفي أثناء تلقيه الإسعافات العلاجية، فتم فتح تحقيق طبي حول الحالة.

وفي أول تعليق رسمي، قالت السلطات في مقاطعة نينغشان إن جميع الركاب الآخرين أجروا فحوصات فايروس كورونا وجاءت النتائج سلبية وتؤكد خلوهم منه، ولكن بالنسبة للاختبارات التي أجروها لفحص فايروس «هانتا» فالنتائج لم تعلن بعد.

وحول هذه القضية، علق عالم الفايروسات بجامعة ووهان الصينية البروفيسور يانغ زاكيو، مرجحا عدم إصابة الركاب الذين جلسوا مع المصاب في الحافلة نفسها، إذ لا تحدث العدوى عادة بين الناس لأن فايروس «هانتا» لا ينتقل من خلال الجهاز التنفسي لكن إفرازات المريض ودمه يمكن أن تكون معدية.

كما أضاف معلومة أخرى، وهي أن الأشخاص لا يتعرضون عادةً للهجوم من فايروس هانتا وكورونا في الوقت نفسه، أي لا يجتمع المرضان الفايروسيان في آنٍ واحد داخل جسد المريض، موضحاً أن المرض منتشر في القرى والمناطق الريفية في الفترات ما بين مايو إلى يونيو ومن أكتوبر إلى ديسمبر سنوياً، وهو مرض فايروسي معدٍ من أبرز عوارضه الحمّى والنزف وتلف الكلى، وعادة تأتي الإصابة به نتيجة الاختلاط بالفئران المصابة؛ سواء بملامستها أو تناول طعام لمسته الفئران أو استنشاق الهواء الملوث بروث الفئران المصابة.

ووفقاً لما ذكره عالم الفايروسات البروفيسور يانغ زاكيو، في تصريحات لصحيفة «غلوبال تايمز» الصينية أخيراً، فإن معدل الوفيات من الإصابة بفايروس هانتا في الصين يراوح بين 1% و10% من إجمالي الحالات المصابة بينما معدل الوفيات في الولايات المتحدة أعلى بكثير، بمتوسط 40%، مضيفاً، إنه على غرار فايروس كورونا، يمكن لفايروس هانتا أن يلحق أضراراً بالغة بكبد المرضى وكليتهم ووظائف الأعضاء الأخرى بسبب أعراض الحمى والنزيف الشديد.

فيما أوضحت مصادر صينية أن معدل الإصابات بفايروس هانتا في مقاطعة يونان بجنوب غربي الصين بلغ 1231 حالة خلال خمس سنوات، وتؤكد تقارير صادرة عن مواقع صينية أن أكثر من 200 حالة يتم الإبلاغ عنها في يونان كل عام.

الخلفية التاريخية

في القرن الماضي، كان أول ظهور لفايروس هانتا خلال الحرب الكورية (1950 - 1953)، إذ أصيب أكثر من 3000 جندي من الأمم المتحدة بما أطلق عليه في ذلك الحين «الحمى النزفية الكورية»، التي يشار إليها حالياً باسم «الحمى النزفية مع المتلازمة الكلوية» (HFRS).

وبعد نحو 25 عاماً من اكتشاف الفايروس، جاءت تسميته بـ«فايروس هانتا» نسبة إلى نهر هانتان في كوريا الجنوبية، إذ كان أول اكتشاف لهذا الفايروس في تلك المنطقة، وكان الدكتور «ليو هو وانغ» أول من قام بتوثيق هذا المسمى عبر ورقة بحثية نشرت عام 1978 بعنوان: (عزل العامل المسبب لمرض الحمى النزفية الكورية، مارس 1978، ص 298-308)، فيما تندرج تحت هذا الفايروس عائلة من الفايروسات التي تنتمي له وتم تصنيفها بمسميات مختلفة حسب الأمكنة التي ظهرت فيها والأعراض المختلفة التي ارتبطت بها.

وتفشى الفايروس مرة أخرى في منطقة «فور كورنرز» جنوب غربي الولايات المتحدة عام 1993، وتمت الإشارة إليه في البداية باسم «مرض فور كورنرز»، ثم تم تغيير الاسم بعد شكاوى من السكان الذين اعتبروا أن تسمية المرض فيها وصمةً للمنطقة، ويُطلق على الفايروسات الآن مسميات: «متلازمة فايروس هانتا الرئوية» (HPS) و«متلازمة فايروس هانتا القلبية» (HCPS)، ويمكن أن تسبب هذه الفايروسات أمراضاً خطيرة في البشر وتصل معدلات الوفاة فيها إلى 12% بالنسبة لـ«الحمى النزفية مع المتلازمة الكلوية» (HFRS)، و 60% لـ«متلازمة فايروس هانتا الرئوي» (HPS).

وفي الأرجنتين تم تسجيل 29 إصابة مؤكدة بفايروس هانتا؛ من بينها 11 حالة وفاة في أقل من 3 أشهر، وذلك خلال الفترة ما بين 28 أكتوبر 2018 إلى 20 يناير 2019، وجميع هذه الحالات سجلت في بلدة إبويين بمقاطعة شوبوت الواقعة جنوبي البلاد، ويبلغ عدد سكان هذه البلدة نحو 2000 نسمة، وبسبب هذه الواقعة أصدرت السلطات الصحية في الأرجنتين في 19 ديسمبر 2018 تحذيراً وبائياً بشأن الزيادة الطارئة في أعداد حالات الإصابة بالمتلازمة الرئوية لفايروس هانتا.

وبلغ متوسط معدل الإصابات في الأرجنتين نحو 100 حالة سنوياً خلال الفترة ما بين 2013 و2018، وقد تم تحديد 4 أقاليم موطونة بفايروس هانتا في الأرجنتين، وهي: الإقليم الشمالي، والشمالي الشرقي، والأوسط والإقليم الجنوبي، في حين بلغ معدل الوفاة ما بين 18.6%، إلى نحو 40% في بعض المقاطعات في الإقليم الجنوبي للأرجنتين. ولا شك توجد إصابات عديدة في أقطار مختلفة حول العالم، يصعب حصرها، ولكن اخترنا الأبرز منها.

أسباب ظهور هانتا

إن ظهور مسببات الأمراض الحيوانية المنشأ لا يزال أحد الألغاز العظيمة التي لم يتم حلها في علم الأحياء، وقد ظهرت خلال القرن الماضي العديد من مسببات الأمراض وعادت إلى الظهور مع تكرار يقدر بمرض جديد كل 18 شهراً، والعديد منها كانت حيوانية المنشأ مثل فايروسات هانتا، وكورونا، وإيبولا، ونيباه، وهندرا، وإنفلونزا الخنازير، وغيرها.

وبشكل عام، تقول الدراسات، «إن ظهور الأمراض الحيوانية المنشأ وتوسعها له ارتباط بشكل خاص بالتغيرات البيئية والسلوك البشري»، إذ تلعب بعض الظواهر مثل الاحتباس الحراري دوراً في ذلك، إضافة إلى العوامل البشرية مثل: إزالة الغابات، والتنمية الزراعية، والاستعمار السكاني، والتمدن، وهو ما يؤدي بشكل متزايد إلى تعريض البشر لخطر العديد من الأمراض المنقولة بالنواقل مثل الأمراض المرتبطة بفايروس هانتا التي تنقلها القوارض إلى البشر، وتقلل التغيرات البيئية نتيجة التدخلات البشرية من أنواع القوارض ما يعزز التفاعل بين الأنواع المختلفة من القوارض خارج بيئتها وهو ما يساهم في نقل الفايروسات إليها، مما يؤدي إلى زيادة خطر انتشار القوارض الحاملة للفايروس ونقله إلى البشر بطرق مختلفة (جاي ميلز، فقدان التنوع البيولوجي والأمراض المعدية الناشئة: مثال على الحمى النزفية المنقولة بالقوارض، 2006، ص: 9-17).

وتقول منظمة الصحة العالمية، إن تغيُّر المناخ يؤدي إلى تضاعف مخاطر الأمراض المعدية حيوانية المنشأ، مثل مخاطر تفشي الكوليرا، أو انتشار مرض زيكا ليصل إلى مناطق جغرافية لم يطأها من قبل، فالمناخ المتغيّر يمكنه زيادة رقعة انتشار الأمراض المعدية، ولاسيما الأمراض المنقولة بالبعوض وسائر النواقل، ويؤدي إلى ظهور غيرها من الأمراض، وأرجعت المنظمة الأصل في ظهور «فايروس هانتا» كممْرضات بشرية إلى الظواهر المناخية الشديدة التي اضطرت الحيوانات الثديية إلى الخروج من كوتها الإيكولوجية وغزو المستوطنات البشرية.

ولا نغفل الإشارة إلى السلوكيات الغذائية الشاذة التي نشاهدها في بعض الدول الآسيوية؛ ومن بينها الصين، قد تكون سببا في نقل هذه الفايروسات إلى البشر مثل الخفاش الذي يتفق حالياً العديد من علماء الفايروسات على أن هذا الكائن هو المنشأ لفايروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وقد أشارت البروفيسور جويزن وو، من المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، في دراسة نشرتها مجلة «ذا لانسيت» الطبية، أخيراً، إلى أن البيانات التي لديهم حتى الآن تتفق مع نظرية أن فايروس كورونا نشأ في الخفافيش منذ البداية، أما بالنسبة للقوارض التي تؤكد الدراسات ارتباطها بنقل فايروسات هانتا إلى البشر هي أيضاً مسؤولة عن نقل وباء الطاعون، وقد لا تكون هذه السلوكيات الغذائية مرتبطة مباشرة بنقل الفايروسات لكن التعامل البشري المباشر مع هذه الكائنات لا شك، أن له دوراً كبيراً في نقل الفايروسات إلى البشر.

لحسن الحظ.. ولسوء الحظ

تتفق الدراسات العلمية على أن غالبية سلالات فايروس هانتا المختلفة لا تنتقل إلى البشر إلا عن طريق وسيط وهي القوارض، وتنتقل فايروسات هانتا من الفئران أو الجرذان إلى الإنسان بعد التعرض لرذاذ بول أو روث أو لعاب الفئران المصابة بالعدوى أو استنشاق الروائح الصادرة عنها، أو التعرض للأتربة المتأتية من أعشاشها، قد يحدث الانتقال أيضاً عن طريق لدغات الفئران أو المواد الملوثة التي تنفذ مباشرة إلى الجلد المجروح أو إلى الأغشية المخاطية. ومن حسن الحظ في هذه الحالة، أن هذه الفايروسات لا تسبب تفشياً كبيراً ومستداماً مع إمكانية الانتشار الدولي السريع، كما في حالة فايروس كورونا المستجد الذي ينتقل بين البشر.

ولكن هناك مخاطر عديدة يجب أن تؤخذ في الاعتبار، من أبرزها عدم وجود معلومات عن التوزيع الجغرافي للفئران المصابة بفايروس هانتا، كما أن الفئران لا تظهر عليها أعراض المرض عندما تصاب بالفايروس، وبإمكان الفئران والقوارض الأخرى المصابة بفايروسات هانتا أن تستمر طوال فترات حياتها في ذرف الفايروس، ويحتمل أن ينتقل الفايروس إلى القوارض المنزلية الأليفة التي يقتنيها آلاف البشر مثل الأقداد (الهامستر) والخنزير الغيني (الجيني بيغ) فتتسبب في نقل الفايروس بشكل أكبر من خلال نفاذ الفايروس إلى تجارة الفئران الأليفة مما يزيد من أعداد المصابين ورقعة انتقال الفايروس.

ولكن الخطر الأكبر الذي من الممكن أن تشكله سلالات فايروس هانتا، يكمن في وجود احتمالات لإمكانية انتقال الفايروس بين البشر وبعضهم، ورغم أن هذا الأمر لم يثبت علمياً بشكل قطعي، إلا أن دراسة علمية أجريت من قبل 6 باحثين بعنوان: (المتلازمة الرئوية الفايروسية في الأرجنتين، دليل جزيئي لانتقال فايروس الأنديز من شخص لآخر) ونشرت في 26 نوفمبر 1997، وثقت انتقال محدود لـ«متلازمة فايروس هانتا الرئوية» (HPS) بين البشر من جراء الإصابة بفايروس «الأنديز» وهو من ضمن سلالة فايروسات هانتا المتواجدة في الأرجنتين، وقد أشارت إلى ذلك أيضاً منظمة الصحة العالمية، وهذا الأمر يشكل خطراً كبيراً في حال انتقل هذا النوع من الفايروسات إلى نطاقات جغرافية مأهولة بالسكان أو في حال تطورت خصائص هذه الفايروسات نتيجة التأثيرات البيئية لتنتقل بين البشر، فحينها يصبح هانتا على الدرجة نفسها من خطورة فايروسات «كورونا المستجد» و«سارس» التي تنتشر بسهولة من شخص لآخر.

وفي الوقت الحاضر، لا توجد مضادات لفايروسات هانتا أو لقاحات أو علاجات مناعية معتمدة من قبل أي جهة طبية رسمية حول العالم، إضافة إلى أن خطورة المرض تكمن في ارتفاع معدل الإماتة الذي تحدثه السلالات المختلفة من فايروس هانتا التي تم الإشارة إليها مسبقاً، ولكن تشير دراسات بحثية عدة إلى أن استخدام عقار الريبافيرين (Ribavirin)، وهو عقار مضاد للفايروسات ويستخدم ضمن علاجات التهاب الكبد الفايروسي ج، في وقت مبكر من مسار المرض وقبل نهاية الأسبوع الأول على الإصابة، ساهم في انخفاض خطر الموت بمقدار 7 أضعاف، ولكن النتائج لم تكن حاسمة في تلك الدراسات التي لم تثبت دقتها، وقد تم تفنيد ذلك في دراسات عدة كان من آخرها دراسة صدرت بتاريخ 19 أكتوبر 2006 أجراها الباحث جي جاي ميرتز وآخرين بعنوان (تشخيص وعلاج التهابات فايروس هانتا)، وخلصت إلى أن عقار الريبافيرين ربما لا يكون فعالاً في علاج عدوى فايروس هانتا.

احتمالية العبث البيولوجي

التطرق إلى وجود «نظرية مؤامرة» وراء ظهور فايروس هانتا في الصين أخيراً، ليس منطقياً نوعاً ما، ولكن تعزز الاتهامات والمزاعم الأخيرة التي أطلقتها السلطات الصينية ضد الولايات المتحدة حول أسباب ظهور وباء كورونا المستجد، التفكير في مدى إمكانية تطوير مثل هذه الفايروسات في المعامل والمختبرات لتصبح سلاحاً بيولوجياً.

من المؤسف أن هذا الأمر ممكن عملياً سواء عن قصد وترصد أو دون قصد، ونستشهد في ذلك بالرعب الذي اجتاح الأوساط العلمية في عام 2003، بعد أن أعلن مجموعة من الباحثين الأمريكيين محاولاتهم إنتاج أنواع قاتلة من فايروسات الجدري بحجة تطوير لقاحات لهذا المرض، مما أثار مخاوف العلماء من العواقب، خصوصاً في مسألة صعوبة السيطرة على مثل هذه الأبحاث وحصر نتائجها في نطاق ضيق، إذ كشف حينها عالم الفايروسات الدكتور مارك بولر من جامعة سانت لويس، خلال مؤتمر عقد في جنيف عن الأمن الإحيائي في نوفمبر 2003، عن بحث كان يقوم به مع علماء آخرين لإنتاج فايروسات معدلة وراثياً من فايروسات الجدري الذي يصيب الفئران وذات تأثير قاتل، إضافة إلى فايروس آخر يسبب جدري البقر، ولكنه قابل للانتقال إلى البشر، وهو ما أثار حالة من الخوف والذعر من احتمال أن يتحول هذا الفايروس إلى سلاح فتاك يهدد البشرية، وأبلغ باحث الفايروسات بولر حينها مجلة «نيوساينتست» أن بحثه ضروري لمعرفة المدى الذي قد يصل إليه الإرهاب البيولوجي، ولكن الكثير من العلماء انتقدوا ذلك البحث، معتبرين أنه خطر بحد ذاته.

وتسبب قيام العالم بولر بالكشف عن هذه الأبحاث الخطيرة خلال مؤتمر عام، في إعلان رؤساء تحرير المجلات والمنشورات العلمية والطبية اتخاذها قراراً جماعياً برفض نشر أي مادة علمية قد تترتب عليها عواقب خطيرة، كما تألفت لجنة خاصة من قبل الأكاديمية القومية للعلماء في الولايات للقيام بدراسة الطبيعة المزدوجة للأبحاث العلمية، وأفادت بأن الأساليب الجديدة المتبعة في علاج بعض الأمراض يمكن في الوقت ذاته استخدامها في إنتاج مايكروبات وفايروسات على جانب كبير من الخطورة، ورصدت كذلك وجود تجارب جرثومية وفايروسية من شأنها أن تسبب قلقاً واسعاً على الصعيد الصحي والأمني. لذلك، طالبت بإخضاع هذه التجارب للجنة متخصصة من الخبراء الموثوق بهم قبل السماح بمواصلتها، فبعض هذه الاختبارات تتعلق بكيفية تعزيز نشاط الفايروسات والجراثيم وحيويتها، وأخرى ترتبط بكيفية هزم اللقاحات وجعلها عديمة الفائدة، ومنها ما يقوم على إبطال مفعول المضادات الحيوية والأدوية المضادة للفايروسات.

وبالتالي، هذا المثال، يعطي انطباعاً كافياً عن الكم الهائل للمخاطر المحتملة من العبث البيولوجي الذي يمارس من قبل بعض العلماء والباحثين داخل المعامل والمختبرات المتخصصة، وتجعل من احتمالات نشر الفايروسات القاتلة سواء عن قصد أو بالخطأ أمراً وارداً.

الوقاية

إن تقويض فرص انتشار الأمراض التي تسببها فايروسات هانتا حالياً، تعتمد على مبادئ مكافحة القوارض مثل الحد من مأوى القوارض ومصادر الطعام داخل المنزل وحوله، والقضاء على القوارض داخل المنزل ومنعها من الدخول باستخدام الاحتياطات الوقائية لمنع عدوى الفايروس قدر الإمكان.

أرقام وإحصاءات

تشير التقديرات الإحصائية للمصابين بفايروسات «هانتا» من نوع «الحمى النزفية مع المتلازمة الكلوية» (HFRS) إلى أنها تصل لـ150 ألف حالة سنوياً حول العالم، وأن 50% من هذه الحالات ترصد في الصين، وذلك وفقاً لدراستين بحثيتين صدرتا في التسعينات الميلادية: (علم الأوبئة والتسبب في الحمى النزفية مع المتلازمة الكلوية، أبريل 1996، ص 253-267) (مراجعة التقدم الوبائي للحمى النزفية مع المتلازمة الكلوية في الصين، مايو 1999، ص 112).

وبحسب اكتشافات العلماء ومعامل الفايروسات فإن عائلة فايروس «هانتا» تضم أكثر من 300 نوع من الفايروسات، من بينها 21 فايروساً تنتقل إلى البشر عن طريق القوارض، وتم رصدها في العديد من الدول حول العالم وتحديداً في قارات آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية، فيما رجحت دراسة بحثية أجريت في عام 2009 بعنوان (رؤى تطورية من فايروس هانتا المتشعب وراثيا)، انتشار عدوى فايروس هانتا في مناطق الشرق الأوسط وقارة أفريقيا وشبه القارة الهندية، إلا أنه لا يتم تحديد الحالات والإبلاغ عنها، وفقاً لما أشارت إليه الدراسة.