أعجبنى تشخيص المفكر المغربى سعيد ناشيد لحالة عقل الإسلام السياسى بأنه «اكتئاب فى الحضارة»، فها هو شاب ألبانى عنده ٢٠ عاماً، عاش فى النمسا كل حياته وتمتع بكل مزاياها من تعليم وتأمين صحى ورفاهية، يقتل بقلب بارد المارة فى الشوارع وكأنه يصطاد البط!!، كان يريد السفر لسوريا حيث ينخرط فى صفوف «داعش»، ظنت سلطات النمسا أن أمثال هذا الشاب عندما يعدهم وهو فى السجن بأنه عندما سيخرج ويفرج عنه سيكون مواطناً نمساوياً صالحاً، ظنوا أن هذا هو وعد صدق، لأنهم لا يعرفون الكذب، ويظنونه قد انقرض، لكنه خرج وقتل وتجول برشاشه فى الشوارع، فخوراً بالرعب فى مدينة الموسيقى، يعزف ألحان الفزع والإرهاب والخوف، وها هى بعض الاقتباسات التى كتبها الصديق المغربى الفيلسوف الجميل الحكيم سعيد ناشيد تشخيصاً لحالة تلك الفاشية الدينية، يقول ناشيد:

• يا قطعان التبرير، الإرهاب الذى ضرب البارحة النمسا يقول لكم مرة أخرى: مشكلته ليست مع فرنسا بسبب استعمار الجزائر أو غير ذلك، ليست مع أمريكا بسبب احتلال العراق أو غير ذلك، ليست مع نيجيريا بسبب التعليم العصرى الذى تحرمه «بوكو حرام» أو نحو ذلك، مشكلته أنه يعيش حالة حرب طاحنة مع كل شىء، مع الإنسان والطبيعة والموسيقى والعقل والجسد والمرأة واللباس والفرح والحياة والعالم برمته. يضرب فى أى مكان، بذريعة أحياناً أو بلا ذرائع فى معظم الأحيان.. المشكلة اسمها «اكتئاب فى الحضارة».

• أيها المُحرِّضون والمُبرِّرون والمُتشفون... بسببكم ستنزف كثير من الدماء التى تخالونها دماء الأعداء النجسة الكافرة.. وفى النهاية ستكتشفون أنها دماء الإسلام الذى ذبحتموه بأنفسكم من الوريد إلى الوريد. وقتها لا تنسوا التكبير.

• فى العالم الإسلامى كافة لا يزال الرهان على الإصلاح الدينى مطروحاً من أجل الأمن والتنمية والسلام. لكن ثمة رهان انتهت صلاحيته، إنه الرهان على أن ينبثق الإصلاح الدينى من تيارات الإسلام السياسى بفعل السياسة والممارسة وفق توهمات اليسار المغفل، المحافظين الجدد، وإدارة أوباما.

• تقولون فنقول..

تقولون: ألم تقترف فرنسا بدورها جرائم ضد الإنسانية فى مستعمراتها؟

فنقول: نعم، وهذا ما لا يُبرر، ولا يقبل التبرير. لكن هل ذلك يبرر لأى مسلم اليوم أن يشحذ سكينه لكى ينحر أى مواطن فرنسى يصادفه فى شوارع فرنسا أو المغرب أو الجزائر أو غيرها؟!

فماذا أنتم قائلون؟ إن قلتم «نعم» فأنتم منسجمون فى أقوالكم، وإن قلتم «لا» فما الغاية من خلط ما لا يختلط؟!

• لا أعرف الشخص الذى أطلق كذبة تراجُع ماكرون واعتذاره عبر قناة الجزيرة -رغم أن خطابه كان واضحاً صريحاً- لكنى أُدرك أن ذلك الشخص خبير بسيكولوجية «جمهور الإسلام السياسى» والذى لا يبحث سوى عن «هدف الشرف» طالما نتيجة الهزيمة الحضارية ثقيلة فى كل المجالات: العلم، العقل، الجسد، المرأة، الموسيقى، الرسم، النحت، النقاش العمومى، الحريات الفردية، العمران البشرى، آداب الطريق، وكل شىء، ولن تغير العربدة من المآل شيئاً. اللهم لا نسألك رد الغباء ولكن نسألك اللطف فيه!

• كثيراً ما كان يتم إحراج القوانين الحديثة باسم الحرية الدينية، وحقوق الأقليات، وهى لعبة مارسها الكثيرون بنشوة غريزية أحياناً، وبحسابات ماكرة أحياناً أخرى.. اليوم بعيداً عن هذا الإحراج الذى ساهم فيه «اليسار الليبرالى» فى فرنسا، وأنصار «النسبية الثقافية» فى أمريكا وبريطانيا، هناك استنتاج مؤكد: إحراج القانون بالدين والأقليات لعبة خطرة يجب أن تتوقف.. خارج القانون لا يوجد غير الفوضى التى تثير الهمجية والتوحش.