إجراءان اتخذتهما حكومة الكاظمي، خلال الأسبوعين الماضيين، أصابا الشارع العراقي بصدمة شديدة وذهول كبير، الأول هو الأمر الوزاري رقم 2260، الذي أصدره وزير المالية علي عبدالأمير علاوي في الخامس من نوفمبر الحالي، والذي خوّل بموجبه لمدير عام دائرة عقارات الدولة صلاحيات واسعة تكفي لبيع الدولة العراقية برمّتها بالتجزئة، والانقضاض على ما تبقّى من عقارات وممتلكات الدولة التي لم تنهب حتى اللحظة، والثاني تمديد العقود لشركات الهاتف النقال، مع أن بذمتها ديونا تصل إلى أكثر من 10 تريليون دينار لم تسددها بعد.

اشتعلت وسائل التواصل بالهجوم على الإجراءين المذكورين، ووصف كتاب عراقيون الإجراء الأول بأنه تضمن تسع صلاحيات خوّلها لوزير المالية علي عبدالأمير علاوي، لم يمنحها لمسؤول حكومي في الدولة من قبلُ قط، منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة وحتى هذه اللحظة.

واضطرت وزارة المالية إلى إصدار إيضاح طويل جدا لتسويغ القرار الوزاري، كان أطول توضيح رسمي في تاريخ الوزارات في العالم، ربما، لكن كتابا عراقيين وصفوا الإيضاح بأنه ثقب ذرائعي صغير قد يفضي إلى كهف مظلم كعادة رؤساء الحكومات، التي تعاقبت على العراق، منذ سنة 2003.

أجمع العراقيون، في تعليقاتهم على الإجراءين، بأنهما وجه من وجوه الموجات المتتالية في إحداث التخريب المتعمد والإجهاز على ما تبقى من مقتنيات الدولة، التي حوّلها رؤساء الحكومات الست المتعاقبة إلى حطام.

بالإجراءات، التي يتخذها الكاظمي، الآن، فإنه يصنف حكومته ضمن مسلسل الإجهاز على العراق، في وقت كشفت تقارير، من قلب المستوطنة الخضراء، أن نثريات الكاظمي وحده تبلغ أكثر من مليون ونصف المليون دولار في اليوم الواحد.

وشدد كاتب عراقي على أن الكاظمي “صنف نفسه بحجم الحيتان الأخرى، التي أوصلت البلاد إلى حافة الإفلاس وأنه ضمن الفاسدين والمفسدين، إذ قدّم، منذ توليه منصبه، أدلة كافية على سوء نواياه وعلى سلوكه وتعامله مع الأحزاب وميليشياتها الإرهابية”.

الغريب في الأمر، أن دائرة عقارات الدولة التابعة لوزارة المالية أكدت، الاثنين 9 نوفمبر 2020، في إيضاحها الطويل جدا، أن الأمر الوزاري المتضمن منح الصلاحيات للمدير العام يأتي لغرض تسريع إكمال المعاملات المتراكمة وقطع الطريق على المفسدين، زاعما تشكيل لجنة لجرد العقارات في الداخل والخارج، ومعلنا تشكيل فريق لإعداد خطة استراتيجية شاملة للحفاظ على عقارات الدولة وإدارتها والتصرف بها بالنحو الأمثل.

الكاتب العراقي إياد السماوي سأل الكاظمي، في مقال تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، عمّا إذا كانت هذه الإجراءات تأتي ضمن “الورقة البيضاء”، التي وعد بها الشعب العراقي، أم أن هنالك أوراقا أخرى يريد تنفيذها، قبل إقالته من منصبه ومغادرته العراق؟ متسائلا “هل تعتقد أنّ، الذي جاء بك رئيسا للوزراء، بعد أن خدع فطاحلنا بحكاية حق المكوّن الضائع، يستطيع إنقاذك؟” مشيرا إلى “المكون الشيعي”.

وخاطب السماوي وزير المالية علي عبدالأمير علاوي، بالقول “أمّا أنت أيها الوزير الذي تواطأٔ مع حكومة الإقليم (إقليم كردستان) على سرقة المال العام للشعب العراقي، الذي يمرّ بأقسى الظروف المالية الصعبة، وأرسلت الأموال إلى حكومة الإقليم بعد الاتفاق، الذي وقّعته بنفسك مع حكومة الإقليم في شهر مايو الماضي، ومن دون أن ترسل حكومة الإقليم دينارا واحدا إلى خزينة الدولة من الأموال الاتحادية كالضرائب أو الرسوم أو إيرادات المنافذ الحدودية، أو تسلّم شركة «سومو» برميلا واحدا من النفط.. فتيّقن أنّك ومن جاء بك وزيرا للمالية ستحاكمون من قبل الشعب العراقي بتهمة الخيانة العظمى، وستذهبون كما ذهب غيركم غير مأسوف عليكم”.

وختم مقالته بمخاطبة أعضاء البرلمان “أمّا أنتم يا نواب الشعب فإن لم تقيلوه، فإنّكم معه في خيانة بلدكم وشعبكم.. أقيلوه…”.

العراقيون يتهمون الكاظمي بأنه يحاول أن يلعب دور النزيه وهو الذي كشف عن سوءته منذ الأسبوع الأول لولايته حين انتهج الطريق نفسه لسابقيه من رؤساء الحكومات الخمس بل زاده فسادا

إن تداعيات الأمر الصادر عن وزير المالية بتخويل مدير عام عقارات الدولة تسعا من صلاحياته، ما زالت تتدحرج برغم ما نقلته مؤسسات إعلامية عن مصدر مطلع، أن الوزير قد ألغى الأمر “إثر الغضب الشعبي”.

ونقلت صحيفة “مدارات الثورة” الموجهة إلى المتظاهرين العراقيين عن أحد النواب قوله “إن خطوة بيع بعض عقارات الدولة مناسبة في الوقت الحالي، نظرا لعدم الاستفادة منها”، وتساءلت “لماذا لا تتم الاستفادة منها؟ ومن يقرر ذلك في ظل الفوضى العارمة والتدخلات المتعددة في اتخاذ القرار؟”، مواصلة “يبدو أنه، بعد إغراق بلدنا بالديون، تتجه المساعي لتصفية ممتلكات الدولة وبيعها بأسعار بخسة، مثلما حدث سابقا ولم يتوصل التحقيق – كالعادة – إلى شيء”!

الصحيفة نفسها نقلت عن عضو مجلس مكافحة الفساد السابق، جمال الأسدي، أن “عدد عقارات الدولة، التي تستولي عليها الأحزاب المتنفذة والزعامات السياسية يبلغ 600 ألف عقار تابعة للدولة، موزعة في عموم المدن والمحافظات العراقية، وأن هذه العقارات مستغلة جميعها إما من قبل جهات حكومية وإما مستأجرة من كيانات سياسية وإما متجاوز عليها من قبل ‏جهات حزبية أو مواطنين”.

إن 60 في المئة من عقارات الدولة مستغلة بصفة غير أصولية ولا قانونية ومن دون عقود، أي يزيد عددها على 300 ألف ‏عقار تابعة لعقارات الدولة، كما يؤكد الأسدي، ويضيف أن “40 في المئة من عقارات الدولة مستغلة، بنحو أصولي وقانوني لكن نسبة كبيرة منها إيجاراتها لم ترتقِ إلى مستوى الإيجارات الموجودة في السوق، وأن إيراداتها السنوية لا تتعدى 500 مليار دينار عراقي‏‎. وأن الكثير من عقارات الدولة تم التلاعب بوثائقها وبيعها إلى أشخاص بطرق غير قانونية في الحقب السابقة، كما أن استرجاعها يتطلب إقامة دعاوى قضائية ضد هذه الجهات أو الشخصيات”.

الإجراء الآخر، الذي يخص تمديد العقود لشركات الهاتف النقال وعليها ديون أكثر من 10 تريليون دينار، فإن وسائل التواصل الاجتماعي عرضت هذه الديون بتفاصيل وجداول جاءت في كتاب لهيئة الإعلام والاتصالات ومن دون ضريبة المبيعات المفروضة على المواطنين! مشيرة إلى أن هذه الديون كفيلة بحل الأزمة المالية وتوفير الإيرادات النفطية من دون اللجوء إلى الاقتراض.

وفي التفاصيل فإن في ذمة شركة آسيا سيل 2.8 تريليون دينار (958 مليون دولار)، وشركة الأثير 2.964 تريليون دينار (910 مليون دولار)، وشركة كورك الكردية 735.136 مليار دينار (223.540 مليون دولار).

إن الحكومة السادسة تواصل النهج نفسه، الذي بدأته الحكومات السابقة لها وشاءت، هذه المرة، أن تبيع ما لم يسعف الوقت المالكي بيعه بصورة الإعلان الفاضح.

ويتهم العراقيون رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بأنه يحاول أن يلعب دور النزيه، وهو الذي كشف عن سوءته، منذ الأسبوع الأول لولايته الكارتونية حين انتهج الطريق نفسه لسابقيه من رؤساء الحكومات الخمس، بل زاده فسادا وتفريطا بحقوق العراق، حيث دخل “ورشة أعداء العراق المتحدة” لصاحبها “أحزاب وميليشيات عام الفيل”؛ وهي ماركة مسجلة بدأت نشاطها التخريبي، بعد التاسع من أبريل 2003 لتفكيك ما فات زملاء الكاظمي، مما بقي من ثروات العراق ومدخراته.

الكاظمي نفسه سيعلن، الآن أو بعد حين، إفلاس الدولة العراقية، بعد أن أوصل، هو ومن قبله: إبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبدالمهدي البلاد إلى شفير الهاوية، فبعد أن جفت مدخرات الدولة النقدية استحدث الكاظمي صفحة الأصول الثابتة للدولة العراقية (العقارات) لتواصل الورشات مهمتها حتى جفاف الضروع وإبادة الإنسان العراقي الأخير.

والسؤال الأهم، الذي يلخص كل ما سبق هو من الذي سيشتري؟

من المؤكد، ووفقا لما ورد في تصريحات عضو مجلس مكافحة الفساد السابق، جمال الأسدي، أن من سيشتري، وبأسعار بخسة جدا، هو أحزاب السلطة المرتبطة بإيران، والميليشيات الموالية لإيران وحيتان الإمبراطوريات الخارجية الموالية للولي الفقيه، ليتحقق لإيران الاحتلال “العقاري” للعراق من الداخل، وهو ما سيلقي واجبا جديدا على شباب ثورة أكتوبر، الذين يتعين عليهم أن يوقفوا هذه المهزلة.

وهكذا صمم أصحاب الجنسيات المزدوجة خاتمة المشهد: انقضاء زمن العراق، ومع هذه الحقبة الظلامية يرنو وادي الرافدين إلى شبابه، بوابة الأمل العنيد.