باستطاعة "حزب الله" الاختباء وراء الفريق الرئاسي لتأخير تأليف الحكومة إلى أجل غير مسمى، طالما هناك من ينوب عنه في وضع العراقيل وتضخيم المطالب باسم حقوق المسيحيين والشراكة في اختيار الوزراء وفي تقاسم الحقائب.
أعطى "الحزب" تمريرته الأولى للرئيس ميشال عون ولصهره جبران باسيل كي يلعب لعبة التأخير منذ أن تكلّف السفير مصطفى أديب برئاستها، حين أصر على احتفاظ الطائفة الشيعية بوزارة المال، على رغم أن رئيس البرلمان نبيه بري كان مستعداً للتساهل في هذا المطلب كما أبلغ إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حين هاتفه الأخير مطالباً إياه بتسهيل مهمة أديب، في 12 أيلول الماضي. كان "الحزب" مطمئناً إلى أن باسيل سيصر على مساواته بتمسك المكون الشيعي بالمال، خلافاً لمبدأ المداورة عبر استثناء حقائب أخرى من المداورة أسوة بالمال، ما سيحول دون ولادة الحكومة بسلاسة وفق المبادرة الفرنسية.
أما التمريرة الثانية من قبل "الحزب" لعون وباسيل، فجاءت حين أبلغ من يعنيهم الأمر بعد تكليف الرئيس سعد الحريري بتأليف الحكومة وطرح مطالب الفريق الرئاسي بحق تسمية الوزراء المسيحيين، انه لن يمارس أي ضغط على رئيس الجمهورية ورئيس "التيار الوطني الحر". هكذا ترك للأخير حرية استخدام حجة المطالبة بمعاملته مثل "الثنائي الشيعي"، بعدما أشيع أن الرئيس المكلف تفاهم مع "أمل" و"الحزب" على الحقائب العائدة للطائفة الشيعية وعلى أسماء "المستقلين" للإيحاء بأنهما من يسميان الوزراء أيضاً، على الرغم من أن إثنين من الوزراء الشيعة الأربعة سمى واحداً منهما الحريري، واختار الثاني من لائحة عرضها عليه بري، الذي لم يعترض عليهما.
التمريرة الثالثة من "الحزب" لعون وباسيل كانت إبلاغه عون، قبل وبعد تقديم الحريري تشكيلته الحكومية لرئيس الجمهورية، بأنه لم يسلم الرئيس المكلف إسمي وزيرين يفترض أن يتمتعا بتأييده، كي يتسلح عون بذريعة ضرورة اتفاق الحريري مع المكون الشيعي قبل إصدار الحكومة. كان الحريري اختار إسمين في لائحته النهائية التي قدمها لاحقاً في 8 كانون الأول لرئيس الجمهورية، على قاعدة أنه هو من يختار، وإذا من اعتراض، يجري بحث الأمر، طالما أن المبدأ الذي يعتمده تجنُّب اختيار أشخاص غير حزبيين وغير مستفزين للمكون الطائفي. إزاء ضغط البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي لمصلحة خيار غير الحزبيين، عاد عون إلى ذريعة حق الرئاسة باسم الشراكة مع الحريري، في اختيار الوزراء المسيحيين وحقائبهم.
صحت التكهنات أم لم تصح، بأن "حزب الله" يبقي على الفراغ الحكومي غير آبه بالنتائج الكارثية على البلد، لأن لبنان ورقة تفاوض إيرانية مع بايدن، فإن ما بات واضحاً أنه يتقن لعبة التمريرات لعون وباسيل لينوبا عنه. التمريرات تتيح "المداورة" في المناورة بدل المداورة في الوزارة. منذ البداية لم ترق فكرة المستقلين غير الحزبيين لأمينه العام السيد حسن نصرالله الذي هزئ منها. ومع أن ماكرون وفرقاء محليين اعتبروا أنها الوسيلة الأفضل لإخراج الإصلاحات العاجلة من التجاذب السياسي، الذي سبق أن أجهضها منطق المحاصصة في حكومات المحازبين، فإن "الحزب" لا يرى فيها إلا إضعافاً لقبضته على القرار السياسي اللبناني عبر حليفه الرئاسي، في سياق الضغط الدولي لتفكيك قبضة طهران في كل من اليمن والعراق وسوريا. وهي ضغوط تضطره إلى التشدد والتصعيد أكثر حيال الحلفاء والخصوم في كل منها كما أثبتت أحداث الأسابيع الماضية.
وفق روزنامة "الحزب" من المبكر ولادة الحكومة.
التعليقات