الضرورات تُبيح المحظورات، فبعد أن نضب البترول الرخيص «السهل» في بحر الشمال اضطرت النرويج - وسيتبعها الدول الأخرى المُطلةُ على القطب - للانتقال الى القطب الشمالي «المُتجمد» للتنقيب عن الهيدروكربونات «البترول والغاز».

المنطقة القطبية هي الآن الملجأ الأخير الذي يعول عليه العالم لاكتشاف احتياطيات جديدة إضافية من البترول والغاز، بعد أن شعر الإنسان أن المتبقي من البترول التقليدي الذي يُمكن إنتاجه بتكاليف أقل من 85 دولاراً «بالسعر الثابت لعام 2018» قد يختفي «حسب معدل الاستهلاك الحالي» بحلول العام 2058 «نحو 38 سنة».

البترول ليس مادة عادية يُمكن الاستغناء عن استخدامها في إشباع بعض الحاجات الضرورية التي يحتاجها الإنسان في حياته اليومية.

لا أحد يشك أن الحضارة الحديثة بِنْتُ البترول، قبل البترول كانت المواصلات بدائية تقوم على ظهر الحيوان (الجمل والحصان والفيل والكلب) في البر، وكانت المواصلات تقوم على ظهر السفينة الشراعية في البحر،

الآن نحو 60 مليون برميل في اليوم -نحو 60 %- من البترول يُستخدم في المواصلات، ويكاد لا يوجد في الوقت الجاري بديل للبنزين والديزل والكيروسين، فإذا لم يحاول الإنسان من الآن وضع خطط وبرامج مجدولة زمنياً لإيجاد بدائل لوقود المواصلات ستنهار المواصلات ويعيش الإنسان في عُزلة كما كان قبل اكتشاف البترول.

النرويج لها خصوصيتها في سوق البترول، ومن الصعب أن تحكم على تصرفاتها «أو دورها» في استقرار وتوازن السوق العالمي للبترول، فمن الناحية الأولى: تعتبر النرويج الدولة الأوروبية الوحيدة المنتجة والمصدرة للبترول، وبالتالي تتبنى النرويج سياسة إنتاجية تتوافق مع المصالح الأوروبية أكثر من مصالح الدول الأخرى المصدرة للبترول.

ومن الناحية الثانية تُعتبر النرويج دولة ناشطة في مجال الاستدامة والبيئة والمناخ، وهذا يجعلها تقف موقفاً مُتحيزاً أحياناً ضد مستقبل البترول، فوعدت النرويج -ولكنها لم تفي بوعودها- بالتخلص نهائياً من استثماراتها في شركات البترول وبيع جميع أسهم هذه الشركات في صندوقها السيادي بحجة أن العالم سيستغني في القريب عن البترول.

الآن يبدو أن النرويج غيرت وجهة نظرها التشاؤمية عن مستقبل البترول والاستغناء عنه، وترغب النرويج التنقيب عن البترول والغاز في المنطقة المحظورة في القطب الشمالي ضاربةً عرض الحائط بمعارضة أنصار المناخ والبيئة.

لقد رفضت مؤخراً بتاريخ 21 ديسمبر المحكمة العليا في النرويج -بعد ترددها- مطالبة أنصار البيئة بحظر السماح بالتنقيب عن البترول في القطب الشمالي، وهذا يعني أنه يحق لحكومة النرويج أن تسمح الآن لشركات البترول التنقيب وإنتاج -أكرر إنتاج- البترول النرويجي في القطب الشمالي، ولكن يبدو أن النرويج تعلمت الدرس من نضوب بترولها في بحر الشمال وتخشى الآن أن يلحق به بترولها في القطب، ولذا وضعت النرويج العقبة أمام بداية الإنتاج بحجة أن السماح يقتصر على التنقيب والاكتشاف فقط، وقد لا تسمح الحكومة بالإنتاج حفاظاً على سلامة البيئة والمناخ.