عندما وقّع باراك أوباما الاتفاق النووي مع إيران، كانت فرنسا باسم دول الاتحاد الأوروبي هي القوة التي عملت على تشديد شروط التوقيع، وفرض أقسى القيود على النظام الإيراني قبل أن يتمتع بثمرات هذا الاتفاق الدولي، الذي كان يمنح طهران سيولة كبيرة، وإمكانيات اقتصادية غير مسبوقة، جنّدتها لتقوية استراتيجيتها العدوانية تجاه جوارها، ودورها المهيمن في المنطقة.
كان وزير الخارجية آنذاك الاشتراكي لوران فابيوس هو من أخر لأسابيع التوقيع على هذا الاتفاق، بسبب البنود التي أصر على إضافتها إلى هذا التفاهم الاستراتيجي.
وعندما قررت إدارة دونالد ترامب الانسحاب من هذا الاتفاق، وفرض عقوبات ضاغطة على النظام الإيراني، هبَّت دول الاتحاد الأوروبي للتنديد بهذه الخطوة، واعتبرتها خطأ سياسياً قد يُسرع في عملية حصول إيران على السلاح النووي، وقامت بعدة خطوات سياسية ومقترحات اقتصادية بهدف إبقاء هذا الاتفاق على قيد الحياة، لكن عندما خيَّر دونالد ترامب الشركات الأوروبية بين السوق الأمريكية والتعامل مع إيران، اختارت تلك الشركات البقاء في السوق الأمريكية.
اليوم مع إدارة أمريكية جديدة بزعامة جو بايدن، الذي تعهَّد بالعودة إلى الالتزام ببنود الاتفاق النووي مع إيران، تقمصت دول الاتحاد الأوروبي شخصية الصقور واللهجة الحادة، كما أشارت إلى ذلك التصريحات الأخيرة لوزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان، الذي أعاد التأكيد على أن أي عملية إنعاش وتنزيل فعلي لهذ الاتفاق، يجب أن تمر عبر الالتزام الإيراني بكل بنوده، بالإضافة إلى وضع برنامج إيران الباليستي تحت المجهر الدولي، ووضع حد لأنشطة إيران العدوانية في المنطقة.
تشديد الموقف الأوروبي تجاه إيران في الوقت الذي تتوق فيه الولايات المتحدة للعودة إلى الاتفاق يحقق هدفين أساسيين، الأول: الاستفادة من الضغوط الأمريكية على إيران، لكي توسع دائرة التفاهمات مع المجموعة الدولية، وأوروبا تراهن هنا على الحاجة الاقتصادية الماسة للخروج من عنق الزجاجة، التي حشرها فيه دونالد ترامب.
والهدف الثاني: تقديم ضمانات لحلفاء أوروبا (دول الخليج وإسرائيل) من أن هذا العدو المشترك سيوقف من تهديداته تجاه أمنها الداخلي والإقليمي.
وهنا تحتاج أوروبا إلى تعهدات إيرانية صلبة وموثقة، لكي تبعث برسائل طمأنة لهذه الدول، وتجعلها جزءاً من التفاهم الجديد، عوضاً عن دور المتفرج الذي كان باراك أوباما قد وضعها فيه.
التعليقات