غداً ستكون دولة الإمارات العربية المتحدة على موعد مع التاريخ، ويكاد حلم أول مهمة فضائية تقودها دولة عربية لاستكشاف الفضاء أن يتحقق. لقد دخلت الإمارات مرحلة تاريخية جديدة بإنجازاتها العلمية، فكانت أول دولة عربية تطلق رحلة إلى الفضاء من خلال مسبار «الأمل» منتصف يوليو الماضي، ثم نجحت بتشغيل الوحدة الأولى من محطة «براكة» للطاقة النووية السلمية مطلع أغسطس لتصبح الأولى في العالم العربي. كما أثبتت الدولة أنها قادرة على الإنجاز وعلى التطلع للمستقبل بطموح لا حدود له، بسواعد الشباب وبالتعاون الدولي، في بيئة من التسامح الإنساني.
منذ ستينيات القرن الماضي استقبل كوكب المريخ في مداره أو على سطحه عشرات المسبارات الآلية، الأميركية غالباً، لكن فشل معظمها. غير أنه منذ مطلع الألفية الراهنة ظهرت اكتشافات جديدة في الكوكب الأحمر، تُظهِر آثاراً قديمةً للمياه السائلة على سطح الكوكب، فأصبح المريخ أولوية في مهمات استكشاف الفضاء، وكانت دولة الإمارات سبّاقة إلى الاهتمام بقطاع الفضاء منذ سبعينيات القرن الماضي حين التقى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بفريق وكالة «ناسا» المسؤول عن رحلة أبولو للقمر، ليبدأ مشروع تأسيس قطاع الفضاء الوطني بداية مع تأسيس شركة الثريا للاتصالات في عام 1997، ومن ثم أنشأ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم «مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة» عام 2006، تلا ذلك تأسيس مركز محمد بن راشد للفضاء عام 2015.
ودخلت الإمارات السباق العالمي لاستكشاف الفضاء الخارجي رسمياً حين أعلن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إنشاء وكالة الإمارات للفضاء، حيث تعمل الوكالة على تطوير علوم الفضاء والأبحاث العلمية، وتعزيز الوعي بأهمية تكنولوجيات الفضاء، وتطوير القدرات الوطنية، وتشجيع الاستخدام السلمي لأبحاث الفضاء وبدء العمل على مشروع إرسال أول مسبار عربي وإسلامي إلى كوكب المريخ («مسبار الأمل») بقيادة فريق عمل إماراتي، وتم تكليف مركز محمد بن راشد للفضاء من قبل حكومة دولة الإمارات بإدارة وتنفيذ جميع مراحل المشروع، في حين تتولى وكالة الإمارات للفضاء الإشراف العام على المشروع، واختار له الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم اسم «مسبار الأمل» ليكون رسالة أمل من دولة الإمارات إلى شباب وشعوب المنطقة.
تحاول دولة الإمارات رغم حداثة تجربتها أن تفرض نفسها كقوة علمية وفضائية كبرى، فانضمت لنادي الفضاء إلى جانب الولايات المتحدة وأوروبا والهند والصين، بإطلاق «مسبار الأمل»، فكانت المهمة الإماراتية الأولى إلى المريخ بعد أن تزايد الاهتمام العالمي بصناعة الفضاء، وأصبح التقدم في صناعة الفضاء مرتبطاً بتقدم العلوم الأخرى كعلوم الاتصالات والملاحة وغيرها، حيث يمثل مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ («مسبار الأمل») جزءاً من رؤية الإمارات للمستقبل، بالاستثمار في المعرفة وتطوير قطاعات جديدة، لرفد الثروة الوطنية وتعزيز ما اصطلح على تسميته «اقتصاد الفضاء»، وهو كافة الأنشطة الاقتصادية والصناعية والاستثمارية والتقنية المرتبطة بالفضاء، والتي ستحدد مكانة وقوة الدول في الألفية الحالية.
وتحتفي الإمارات بهذا الإنجاز العلمي، وتكتسي أشهر معالمها العمرانية والثقافية والسياحية باللون الأحمر، استعداداً لدخول مسبار الأمل مدار الالتقاط حول الكوكب الأحمر يوم غد 9 فبراير 2021، وبانتظار الدقائق السبعة والعشرين الحاسمة لدخول مسبار الأمل بنجاح إلى مداره المحدد حول كوكب المريخ، يكفينا فخراً أن مسبار الأمل هو بالفعل أمل للشباب العربي، فقد شُيد على أيدي كوادر وطنية ووفقاً لرؤية سياسية لا تعرف المستحيل.