التفتت الملكة نور على الفور إلى وليّ العهد عبدالله وقالت بصوت خافت: مات الملك عاش الملك، ملتزمة بالتقاليد المتّبعة في أعرق الأسر الملكية حول العالم، وبذلك تكون قرينة ملك الأردن أول المبايعين لخليفة زوجها ليعتلي عرش الأردن.

هكذا كانت لحظة وفاة الملك الراحل الحسين بن طلال بعد أن قرّرت الأسرة الهاشمية إيقاف أجهزة الإنعاش التي بدا عملها بغير طائل بعد أن اشتد عليه المرض.

وطيلة عشرين سنة سبقت تلك اللحظة، كانت الملكة نور في مركز الحدث، وسيدة المشهد السياسي والاجتماعي الأردني إلى جوار الملك الذي كان شعبه يرى فيها الوالد العطوف والحكيم المحنّك.

وبعد رحيله تراجعت الملكة نور خطوات إلى الوراء، مخلية المكان للملكة الجديدة رانيا العبدالله ولجمهرة القادة الجدد.

غير أن التطورات التي شهدها الأردن خلال الأسابيع الأخيرة أعادت الملكة نور إلى خشبة المسرح من جديد، لاسيما وأن بطلها الأبرز هو ابنها الأمير حمزة بن الحسين.

فقد وقعت الملكة نور بين خيارين آسرين، ميلها إلى التقاليد التي جعلت منها ملكة، وميل ولدها الأمير الشاب إلى التمرّد على القيود. لكن ذلك لم يكن من صنع أيّ منهما، وقد يكون الملك الحسين خطّط له من زمن بعيد ليدور وهو في قبره.

قفزة إلى الإيمان

خيارا الملكة نور والأمير حمزة كانا آسرين، وحسب تقرير لصحيفة لوس أنجلس تايمز، فقد قامت بتأهيل ابنها لأن يكون ملكاً. كيف؟ لا أحد يعرف. لكن ذلك لم يكن من صنع أيّ منهما، فقد يكون الملك الحسين خطّط له منذ زمن بعيد ليدور وهو في قبره.

خيارا الملكة نور والأمير حمزة كانا آسرين، وحسب تقرير لصحيفة لوس أنجلس تايمز، فقد قامت بتأهيل ابنها لأن يكون ملكاً. كيف؟ لا أحد يعرف. لكن ذلك لم يكن من صنع أيّ منهما، فقد يكون الملك الحسين خطّط له منذ زمن بعيد ليدور وهو في قبره.

أخذت الصحف العالمية، ترجع إلى نجمة الأردن المفضلة القديمة، كل شيء جاهز، الصور والتقارير والمعلومات المثيرة، وحتى الشهود من صديقاتها القدامى وزميلات دراستها.

كان اسمها ليزا الحلبي، ووصفت بأنها أرستقراطية أميركية سورية الأصل، حظيت بحياة مرفّهة وتعليم رفيع، بعد أن عيّن الرئيس الراحل جون كنيدي والدها، نجيب الحلبي، رئيسا لهيئة الطيران الفيدرالية الأميركية آنذاك، ثم صار رئيسا لشركة “بان أميركان للطيران”.

في كتابها “قفزة إلى الإيمان” وهو مذكراتها التي أصدرتها عام 2003 تروي الملكة نور شيئاً عن طفولتها التي لم تكن سعيدة دوماً، فوالدها تزوّج ثلاث مرات، وعاش حياة أقرب إلى المغامرة رغم أن جدّه لأبيه كان قاضياً ووصياً مالياً على سوريا أيام الحكم العثماني، قبل هجرته إلى أميركا، وجدّه لأمه كان ضابطاً بارزاً في الحرب الأهلية الأميركية.

ولعل ابنها الأمير حمزة يحمل شيئاً من الجينات النشطة لجدّه الذي انخرط في البحرية الأميركية كطيّار حربي، وقام بتنفيذ أول طيران عابر للقارات في تاريخ الولايات المتحدة، حين أقلع من ماروك أيه إف بي كاليفورنيا وهبط في بانوكسينت ماريلاند في 5 ساعات و40 دقيقة، وبعد الحرب، عمل كمستشار للعاهل السعودي الراحل الملك عبدالعزيز آل سعود وأسّس في عهده الخطوط الجوية السعودية.

ابنته ليزا كانت منغمسة في عالمها الخاص، حيث ميدانها هي الأخرى لتكون متميزة، كما تروي إحدى زميلاتها في الجامعة والتي تقول “حتى إذا لم تكن تعرفها شخصيا، فلقد سمعت عنها. لقد لفتت نظر الجميع”. درست في المدرسة الكاتدرائية الوطنية، وفي مدرسة شابين في مدينة نيويورك، وأكاديمية كونكورد في ماساتشوستس. وحصلت على البكالوريوس من جامعة برنستون في الهندسة المعمارية والتخطيط الحضري. وكان هذا هو التخصص الذي سيرسم لها قدرها الآتي ويجمعها بالملك الحسين.

شاركت بعد تخرّجها في عدد من المشاريع الدولية في مجال تصميم المدن وتخطيطها في كل من أميركا وأستراليا وإيران والأردن وغيرها من دول العالم، وفي العام 1976 شرعت بالعمل على وضع التصاميم الشاملة لمرافق أكاديمية الطيران العربية التي تأسست في عمّان، ثم انضمت بعد عام واحد إلى الخطوط الجوية الملكية الأردنية مديرة للتخطيط والتصميم.

حدث ذلك حين تعرّضت طائرة عقيلة الملك الحسين الملكة عالية لحادث تحطّم لقيت مصرعها على إثره.

وقع الملك في سحر المهندسة الشقراء ذات الشخصية الكاريزمية والجذور الراقية والذكاء الحاد، ومنحها لقب الملكة نور. ولم يكن وحده من فتن بها وبحضورها فحتى الشعب الأردني المحافظ والعشائري نظر بشيء من التوجّس أولاً، لكنه سرعان ما اعتبرها رمزاً وطنياً أردنياً يعكس التسامح والانفتاح والتقدّم والثقافة والجمال. وهي قابلت ذلك بالعمل الجاد على تقديم صورة الأردن بشكل مختلف وفي مرحلة صعبة وفي سن صغيرة للغاية أيضاً، فقد كانت في السابعة والعشرين من عمرها آنذاك. وكان عليها أن تجاري ملكاً يكبرها بأعوام طويلة وبخبرات واسعة في الحكم ومشاكله.

مرض الحسين مرض الموت ويرى البعض أنه بقي يميل منذ أن رزق هو والملكة نور بابنهما الأمير حمزة إلى تعيين الأخير ولياً للعهد، لكن التوازنات الداخلية لم تمكّنه من ذلك، ففي إحدى المرات طلب هذا بشكل مباشر من شقيقه الأمير الحسن الذي كان ولياً للعهد آنذاك، في اجتماع للأسرة الهاشمية، فكان ردّ الأمير الحسن غير حاسم، ولم يعد بشيء.

وصية الحسين

Thumbnail

وحين اشتدّ المرض على الحسين قرّر العودة إلى الأردن قاطعاً رحلته العلاجية لتنفيذ الأمر بنفسه، فقام بعزل الأمير الحسن وتعيين ابنه عبدالله ولياً للعهد على أن يكون وليّ عهده الأمير حمزة. وهكذا رسم مساراً لمستقبل انتقال الملك في الأردن في ما اعتبر بمثابة وصيّة اطمأنت لها الملكة نور، وتعامل معها الأمير الحسن بالكثير من الانضباط مقدّماً مصلحة المملكة واستقرار الحكم على جميع الاعتبارات.

لكنّ الأمر لم يكن هكذا دوماً فحتى الأمير الحسن وبعد سنوات من رحيل أخيه الملك الحسين لم يكن قادراً على كتمان سبب عزله، فلقد مرّ ذلك في إحدى المقابلات ذات الطابع الشخصي أجرتها معه الإعلامية نيكول تنوري، تحدّث فيها الأمير الحسن عن صفاته كعسكري ورجل دولة عنيد ومتشدّد، وحينها أنهى كلامه بالقول مبتسماً “ولهذا عزلوني”. إذن لم تكن رغبة الحسين وحدها هي سبب إبعاد أيّ من الشخصيات الكبيرة في الأسرة الهاشمية في الأردن أو تقريبها بل هناك اعتبارات أخرى، لا نناقش الخارجي منها، بل ما يهمّنا هو الداخلي وهو ما اصطدم به ابن الملكة نور الأمير حمزة مؤخراً.

لا شكّ أن اللعبة في الأردن لا تدار بيد الملك وحده، فالدولة هيكل بات عمره اليوم 100 سنة، وسط عالم عربي يتشبّث بالتخلف وأسبابه ومولّداته، ما يعني وجود الفساد والترهّل وكل مظاهر دول العالم الثالث. وبالكاد يصبح ضبط إيقاع البلد ممكناً، خاصة بعد أن مرّت عاصفة الربيع العربي، وخرج منها الأردن بلا خسائر، دون غض الطرف عن الملايين من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين الجدد على أرضه.

صفقة القرن والتغييرات الإقليمية وتبدّل الأدوار كل تلك تحوّلات قد يدركها الملك عبدالله كوريث للعرش الهاشمي، والذي برهنت الأحداث الأخيرة على أن الإقليم والعالم ينظران إليه بعين الاعتبار لحفظ توازن المنطقة، لكن ليس بالضرورة أن تكون مفهومة لآلة الفساد والأجهزة المترهّلة وحتى لمن لديه طموحات بلعب دور ما في المشهد، فبحسب تقرير لصحيفة لوس أنجلس تايمز، فإنه ليس هناك شك في أن الملكة نور قامت بتربية حمزة لتأهله لأن يكون ملكاً. كيف؟ ومتى؟ لا أحد يعرف.

أزمات الداخل

التغييرات على مستوى ولاية العهد لا تجري دوماً بالوصايا والرغبات، فحتى الأمير الحسن، وبعد سنوات من رحيل أخيه، لم يكن قادراً على كتمان سبب عزله

التغييرات على مستوى ولاية العهد لا تجري دوماً بالوصايا والرغبات،
فحتى الأمير الحسن، وبعد سنوات من رحيل أخيه، لم يكن قادراً على كتمان سبب عزله.

تبرز في وضع كهذا أزمات الأردن الاقتصادية وجائحة كورونا وعدم قدرة البلاد على السير على الحبال بين السياسي الاستراتيجي والاقتصادي المتطلّب، فالتشبّث بثوابت بعينها يعني الخروج بعيداً عن طاولة التوافقات الجديدة، والتخلي عن تلك الثوابت سيعني التفريط بالشرعية الهاشمية.

ولم يكن ينقص الصورة إلاّ ما سميّت بمحاولة زعزعة استقرار الأردن، والعملية الأمنية التي تم إلقاء القبض فيها على شخصيات بارزة، ووضع الأمير حمزة خلالها قيد الإقامة الجبرية في مشهدية تابعها العالم بقلق.

تعامل الملك بحنكة مع معطيات هذا الموقف ولم يكن لديه سوى التقاليد التي يلجأ إليها الملوك عادة كجدار حماية، وضع أخاه الأمير حمزة، ولي العهد السابق، في عهدة عمّه الأمير الحسن، ولي العهد الأسبق، الذي لم يجد بدوره سوى الحكمة علاجاً للموقف. فخرجت تلك الوثيقة الصادرة عن مكتب الأمير حمزة بتوقيعه ومشاهدة الأمير الحسن وفي بيته، والتي يعلن فيها الأمير حمزة مبايعة جديدة للملك عبدالله الثاني ولولي عهده الحسين بن عبدالله.

أين كانت الملكة نور في تلك الأثناء؟ اختارت هي الأخرى التقاليد والتعبير الدقيق والمختزل، للتعليق على الأمر برمّته قبل علاجه، وقبل خروج الملك معلناً وأد الفتنة، كتبت الملكة نور في حسابها على تويتر “أتمنى أن تسود الحقيقة والعدالة لكلّ الضحايا الأبرياء لهذا البهتان الآثم”.

كانت تلك الكلمات بمثابة شيفرة تقول إنها لا تريد التصعيد، وإنها مستعدة للقبول فقط بسلامة ابنها وإبعاده عن دائرة الاتهام.

كانت راية بيضاء سريعة، لكن ليس بالضرورة ألاّ تكون مناورة لامتصاص الصدمة وغضب الملك وحاشيته. ولكن هل يعني هذا أن موقف الأمّ الحزينة والقلقة على ولدها سيبقى هو المتحكّم بخياراته السياسية؟ لا يبدو أنه من المنطقي أن تبقى الملكة نور هي الملهمة الروحية للأمير حمزة بعد أن صقلت الحياة تجربته وبلورت شخصيته، سواء الحياة العسكرية أو المجالس العربية التي حرص على المواظبة عليها، والتقاليد أيضاً دون شك، التي تبدو اللاعب الأبرز في الحكاية الهاشمية.