لابد من وقفة مستحقة في تسليط الضوء مجدداً على الانحراف والتشويه، بل الأخطاء الفاحشة في طبعة عام 2011 لديوان «رَوْض الْخِل والْخَليِل»، الذي لم يعتن فيه بدقة علمية الأكاديمي في كلية الشريعة بجامعة الكويت د. محمد الطبطبائي.

فثمة العديد من الإضافات للطبعات الأربع الأصلية لديوان «رَوْض الْخِل والْخليِل» للسيد عبدالجليل بن السيد الطبطبائي، حيث وردت، مثلاً، ألقاب لم ترد أساساً في الطبعات الأربع، علاوة على مزاعم غير صحيحة مطلقاً تاريخياً وثقافياً.

لقد أورد من «اعتنى» بالتحقيق والنشر د. محمد الطبطيائي ألقاباً كـ«الإمام والعلامة وشيخ الإسلام والسيد عبدالجليل باشا والمؤسس للنهضة العلمية في الكويت» في تناول وتقديم السيد عبدالجليل بن السيد ياسين الطبطبائي، وهي مفردات لم يرد ذكرها أساساً في الطبعات الأصلية، وهو ما يعني تغييرا متعمّدا - كما يبدو - في نسب الألقاب وتشويها ثقافيا للحقبة التاريخية 1776 ــ 1853م.

هناك بعض الألقاب تتنافى مع الحقائق التاريخية حين نُسب إلى السيد عبدالجليل الطبطبائي لقب «المؤسس للنهضة العلمية في الكويت»، وهذا - في ما أحسب - اختزالٌ وانحرافٌ صارخٌ في التحقيق المزعوم من قبل من «اعتنى به»، فقد أطلق الشخص ذاته العنان لنفسه في تحديد «أخطاء كثيرة» لمن سبقه في التحقيق منذ الطبعة الحجرية الأولى في بومبي للديوان بحجة «عدم درايته بالتاريخ أو بسبب عدم تخصصه في علم الشريعة»، ولا شك أنه استنتاج جانبه الصواب.

ووقع المحقق «الشيخ الأستاذ الدكتور محمد الطبطبائي»، كما يقدم نفسه دائماً رسمياً وإعلامياً، في خطأ جسيم آخر بشأن «استقرار أسرة الطبطبائي في أعلى كاظمة، عند ميناء البصرة عام 316هـ»، وهو فيه من الهروب في الإقرار بأنهم، أي أسرة الطبطبائي، سكنوا البصرة، من دون تقديم المصدر لما يبرهن العكس!

لم يرد في مراجع التاريخ الرصينة ما يدل على وجود «الدولة الطبطبائية» المزعومة، وما قاله عن قيام خمس دول طبطبائية غير صحيح.

قال د. محمد: قامت الدولة الطبطبائية الأولى عام 145 هـ، والثانية عام 199 هـ، والثالثة عام 216 هـ، والرابعة 288 هـ، والخامسة امتداد للرابعة.

سلسلة من الأخطاء الفاحشة صاحبت تحقيق د. محمد الطبطبائي، التي تصدى لها الأخ الكبير والصديق العزيز الدكتور خليفة الوقيان في عام 2012 بمقال «لن نسكت عن تزوير تاريخ الكويت»، إذ إن التحقيق غرق في المغالطات التاريخية وليس العكس.

فقد زعم د. الطبطبائي أن «السيد إبراهيم بن السيد طه الطبطبائي كان قاضياً على البصرة وما يتبعها، التي منها الكويت والقطيف والبحرين والزبارة ونجد»، وهو ادعاء لا علاقة له بـ«مشيخة الكويت»، كما وردت نصاً في التحقيق المزعوم.

ثم قال: «فعينت السلطة العثمانية للكويت قاضياً منفرداً، وهو الشيخ محمد بن فيروز المتوفى عام 1216 هـ 1801 م، وهو أحد شيوخ السيد عبدالجليل».

في هذا الكلام أخطاء كثيرة عن تاريخ القضاء في الكويت، الذي بدأ بمحمد بن فيروز الجد، المتوفى عام 1722، ثم تلاه القاضي احمد العبدالجليل حتى عام 1756، ثم بدأ عهد القضاة من أسرة العدساني، منذ عام 1756 بالشيخ محمد عبدالرحمن العدساني.

ويسمي د. الطبطبائي الكويت ناحية تابعة للبصرة حين يقول «كان جد السيد ابراهيم قاضي البصرة وما يتبعها».

والخطأ الآخر الذي وقع فيه د. الطبطبائي هو قوله إن قاضي الكويت محمد بن فيروز هو أحد شيوخ السيد عبدالجليل، والمعروف أن ابن فيروز القاضي توفي عام 1722، بينما ولد السيد عبدالجليل عام 1776، فكيف يتتلمذ على رجل توفي قبل ولادته بأكثر من نصف قرن؟!

والحقيقة هي أن السيد عبدالجليل تتلمذ على ابن فيروز الحفيد، الذي كان مقيماً في البصرة، لا علاقة له بالكويت أو بالقضاء في الكويت.

والظاهر أن د. محمد الطبطبائي لا يعلم أن هناك عالِمين يحملان اسم ابن فيروز، وهما الجد والحفيد.

أكتفي بهذا التصويب وفقاً لمراجع رصينة، داعياً المعنيين في وزارة الإعلام إلى سحب طبعة «رَوْض الْخِل والْخَليِل» (2011)، ومنع توزيعها لما شاب هذه الطبعة من أخطاء فاحشة وأوهام من نسج خيال فرد لم يدرك التاريخ جيدا، بل ربما كتبه كما تشتهي الأهواء الشخصية!