تبرع والدتي جوهرة في تقديم الدروس المجانية. تتعامل مع عاملتها المنزلية كابنتها. قريبة منها للغاية. تجلس بجوارها.
تتحدث معها باستمرار سواء بوجودنا أو غيابنا. تعرف أحوال أسرتها وأسماء أفرادها، ومستوياتهم الدراسية.
عندما تتعرض العاملة إلى وعكة صحية تصطحبها والدتي بنفسها إلى المستشفى، وتتابع حالتها مع طبيبها، كما تفعل مع فلذات أكبادها.
أسفرت تلك العلاقة العميقة عن استمرار هذه العاملة في منزلنا لمدة تتجاوز 35 عاما.
من فرط محبة "ليزا" لوالدتي فضلتها على عائلتها الأساسية.
فهي ترفض أن تأخذ إجازات دورية كأقرانها.
وحينما ترضخ لإلحاح والدتي، وتغادر إلى موطنها سرعان ما تقطع إجازتها وتعود.
فقد أصبح منزلنا هو منزلها. وعائلتنا هي عائلتها.
فهي تبكي فرحا في أفراحنا، وكمدا في أحزاننا. باتت أختا لنا لم تلدها أمي.
لا تتعامل والدتي بهذه الطريقة مع ليزا فحسب، وإنما مع عاملات أبنائها وبناتها.
فهي تقبل كل عاملة، وتستقطع وقتا للحديث معها، وتدعوها للجلوس بجانبها على كرسيها الثابت في غرفة المعيشة، وتسألها عن أفراد عائلتها، وتكتب أسماءهم وأعمارهم في دفتر صغير لا يفارق طاولتها الملتصقة بمقعدها.
وتحرص أن تشتري لأطفالهن هدايا تتناسب مع سنهم، بالضبط كما تفعل مع بقية أفراد الأسرة.
لقد أثمرت هذه المعاملة الحسنة عن محبة كبيرة يكنها الجميع لوالدتي، أطال الله عمرها.
تقديرا هائلا اكتسبته بمبادرات صغيرة وأخلاق عالية.
نشأنا وهي تقدم لنا دروسا يومية في الإحسان.
فور أن تنهض من مقعدها يهب ويتسابق الجميع إلى مساعدتها، كأنهم يرددون بيت سهل بن هارون:
يخفي صنائعه والله يظهرها
إن الجميل إذا أخفيته ظهرا
الصنع الجميل لا يؤثر فيمن يناله فقط، وإنما من يقدمه ويشهده.
ثمة عدوى نتطلع جميعا أن تصيبنا.