بعدما كان الإسلام السياسي وخطر الانفصال الذي يشكله على شرائح من المجتمع الفرنسي، الوقود الانتخابي للمعارك السياسية في فرنسا، جاءت مُعْضلة الهجرة لتلقي بظلالها على الموافق السياسة الضَّاغطة على الرئيس إيمانويل ماكرون وهو يستعد للانخراط في سباق نيل الثقة لولاية ثانية. فقد شكل حدث مقتل شرطية فرنسية طعناً بالسكين على يد شاب تونسي مناسبة استغلها اليمين التقليدي واليمين المتطرف لتوجيه انتقادات لاذعة للرئيس إيمانويل ماكرون، وطريقة إدارته لقضايا الأمن ومحاربة الإرهاب. وتسبّب هذا الحدث في صدمة وطنية عارمة كونه يستهدف للمرة الخامسة في غضون أشهر معدودة عناصر الأمن والشرطة، في الوقت الذي كانت فيه عناصر الشرطة محل جدل صاخب بسبب تجاوزات في أداء واجبها اليومي، استغلته بعض قوى اليسار لاتهام إيمانويل ماكرون بأنه يشج النزعة السلطوية في المنظومة الأمنية. اليوم تغيرت الصورة حين جندت قوى اليمين أقلامها وتغريداتها، لمحاولة كشف ضعف الرئيس ماكرون في إيجاد معالجات لظاهرة الإرهاب التي تضرب المواطنين الفرنسيين من حين لآخر. وكون مرتكب الجريمة مواطناً تونسياً حديث العهد في فرنسا، دخل إليها بطريقة غير شرعية، وعاش فيها سنوات بدون أوراق إقامة إلى أن سُوِّيت وضعيّته مؤخراً، كان كافياً لكي تستعمل أيقونة اليمين المتطرف مارين لوبين المدفعية الثقيلة لقصف إيمانويل ماكرون. مارين لوبين لجأت في هذا الهجوم لخطابها المعادي للمهاجرين، وقالت إنه يتوجب على إدارة إيمانويل ماكرون الإيقاف الفوري لعمليات تسوية وضعية المهاجرين والعمل على إبعادهم الفوري عن التراب الفرنسي، لأنهم يشكلون خطراً داهماً على أمن الفرنسيين. ويخشى المراقبون أن يكون لهذا الخطاب صدى فعّالاً في الرأي العام الفرنسي، الذي يعيش هذه السنة على وقع وتيرة الانتخابات الرئاسية، والتي يقول معظم استطلاعات الرأي ومعاهد الدراسات السياسية بأن حظوظ مارين لوبين هذه المرة للوصول إلى قصر الإليزيه جدية للغاية. في هجومها على إيمانويل ماكرون تركز مارين لوبين على نقطة ضعف عنده، وهي الأمن المرتبط بالهجرة السرية مع انتشار التطرف الديني، الذي ترجم لاحقاً إلى أعمال إرهابيه تستهدف رموز الجمهورية. فوِفْق معظم مراكز الدراسات السياسية، يشكل هوس الأمن الذي تسهر على بلورته وزارات سياديَّة العمود الفقري لكل الخيارات السياسية للفرنسيين قد تدفعهم في سابقة تاريخية لتعبيد الطريق أمام مارين لوبين للوصول إلى قصر الإليزيه.
- آخر تحديث :
التعليقات