في مقال سابق تحدثت عن ضرورة تدريس المعرفة الرقمية في التعليم الأساسي، ورجوت أن تكون المعرفة الرقمية مادة علمية لا تقل أهمية عن بقية المواد العلمية الأساسية كالطب، والرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، والهندسة. والآن بات واضحا أمام الجميع أن النظام الرقمي يلعب دورا مهما في عمليات توحيد العالم من خلال نظام رقمي يحفظ لكل الدول حقها في الحرية، والتطور، والبقاء.
إن النظام الرقمي أصبح بمنزلة الوسيلة المثلى لتوحيد العالم، وأضحى الحاسب الإلكتروني خزانة الفكر البشري وإبداعاته، لأنه أصبح أداة الاتصال الأهم، والأكثر تأثيرا في الناس، وسيتم اختزال العالم وإدارته من خلال جهاز كمبيوتر تختزل فيه مبادئ الوحدة البشرية. وتعد التجارة الإلكترونية التي تحققت بنجاح كاسح أهم مراحل توحيد العالم، وسيتلو ذلك كثير من الأنظمة الرقمية التي تلم شعث العالم في أنظمة رقمية موحدة.
إن جميع أنواع الاتصالات التقليدية ستضمحل أو تضعف لمصلحة الاتصال الرقمي، وسيأخذ الاتصال الاجتماعي صورة رقمية لتبادل الأفكار والمعلومات وتحقيق المزيد من التقدم، وسيكون المجتمع الدولي على صورة شبكات تبادلية تضمن تعددية التبادل بين الناس والثقافات، وستفتح فضاءات جديدة للاتصال الإنساني، وسيكون الاتصال المكثف عبر أجهزة الحاسب الإلكتروني، وسيكون العصر المقبل عصر الجماهير الرقمية التي تصهر المجتمع العالمي في بوتقة الوحدة العالمية. إن جميع أنواع الاتصالات ستتراجع لمصلحة الاتصال الرقمي، وستأخذ الاتصالات الاجتماعية صورة رقمية لتبادل الأفكار والمعلومات، وسيكون المجتمع الدولي على صورة شبكات تبادلية اجتماعية تتضمن تعددية تبادلية بين الناس والثقافات، وستفتح فضاءات جديدة للاتصال الإنساني والحوار.
لقد استطاع الإنترنت فعلا أن يكون الأداة التي توحد وتقرب بين كل أقطار العالم من خلال عمليات تشبيك وتوصيل عروق وشرايين الدول والمجتمعات المتباعدة والمتقاربة، حتى أصبحت وكأنها دولة عظمى تتربع على سطح الكرة الأرضية. والوحدة هنا ليس الوحدة السياسية ذات الأيديولوجية المدببة التي توخز أهلها، ولكن لا شك أنها وحدة إلكترونية اختزلت الجغرافيا وألغت ما يسمى الحدود الدولية بين الدول، وأصبح ممكنا لأي شخص أن يتواصل مع من يريد فوق الكرة الأرضية في أي وقت يريد، وجعلت العالم متواصلا في شبكة واحدة. الأكثر من هذا، فإن العالم سيتحول ــ كما سبق أن أشرنا ــ إلى مؤسسات رقمية، ويصبح في حالة انفتاح كاملة على كل أجزائه وخزائنه.
دعونا نتوقف هنية عند وظائف إعلام التواصل الاجتماعي، فالإعلام أصبح ساحة عالمية، وليس ساحة إقليمية، أي أن إعلام التواصل الاجتماعي أصبح أداة من أدوات توحيد العالم، وأصبحت الرسائل حتى في أبسط صورها (واتساب، تويتر، فيسبوك، سناب شات) تسبح في كل أنحاء العالم. أكثر من هذا أن العالم بعد جائحة كورونا تحول إلى مؤسسات رقمية عالمية من خلال التطبيقات التي اجتاحت العالم، ونشرت في الفضاء أسواقا غذائية وتجارية تنفتح على كل دول العالم، كذلك أوجدت وحدة تعليمية تجوب كل أنحاء الدنيا، وظلت الجامعات والمدارس تعطي علومها ودروسها على الهواء وفي الفضاء الشاسع دون أن يعيقها الفيروس القاتل.
ويتوقع علماء تكنولوجيا المعلومات أن المؤسسات الرقمية ستنتشر في كل أرجاء الدنيا وتتحول الحياة والمؤسسات والبيوت والمقاهي والأندية والمنتديات إلى حياة رقمية، وستضطر كبرى المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وجامعة الدول العربية، واليونسكو، ومجلس التعاون إلى استخدام التطبيقات الرقمية لعقد الاجتماعات دون الحاجة إلى سفريات الرؤساء، أو الوزراء، أو المندوبين، وهكذا سينفتح العالم على نفسه من خلال أنظمة رقمية تسهل عمليات التواصل، وستتبنى الدول نظاما عالميا للمعلومات متعدد الجنسيات مرتبطا بوسائل الإعلام الجديدة والمتعددة على شبكة عالمية تتخطى الحدود وتقيم نظاما متعدد الجنسيات للمعلومات.
والآن فإن القسم الأكبر من اقتصاد السوق يتم عبر القنوات التكنولوجية، واستطاع اقتصاد المعرفة أن يفرض هيمنته في كل دول العالم، وهو اقتصاد يستخدم النظام الرقمي ويحقق كثيرا من التقدم والنجاحات، ومن هنا يتدفق الاقتصاد الدولي وتتحرك عمليات التبادل التجاري والمقايضة بين الدول في سلاسة، كذلك، فإن الإعلام الرقمي سيتقدم أكثر وأكثر حتى يلغي الإعلام التقليدي، ولن يجد الإعلام التقليدي مكانا في عالم يتجه إلى الرقمنة في كل أوصال الحياة. ونعترف بأن العالم ما زال يعيش في مرحلة الأمية الرقمية، وأنه يتعين عليه أن يتجاوز مرحلة الأمية الرقمية، ولا بد من تعليم وتثقيف الأفراد إلى مستوى عال جدا من مهارات محو الأمية المعلوماتية، وأن يكون التركيز على التكنولوجيا الواجب اقتناؤها وتعلمها والتدريب عليها واتباع الأسلوب الأمثل في تشغيلها واستثمارها.
بمعنى لا بد من تثقيف كل الموظفين والعاملين وتدريبهم على أن يكونوا مواطنين رقميين مسؤولين في ظل مجتمع رقمي جديد، ونؤكد، طالما أن النظام الرقمي وصل إلى هذا المستوى من الأهمية لدى دول العالم، وكل شعوب العالم، ولدى كل الأفراد، فإن الأمن الرقمي أصبح أمنا قوميا واجب الحماية، وواجب الاهتمام به وحمايته من التطاول أو الإيذاء.