احترام الآخر، الإيمان بحق الناس في الاختلاف، تنوع الأفكار، الحرية الشخصية، قيمٌ مدنية تجدها تتسربُ إلى جسدِ المجتمع، رغم ممانعة بعض الجهات المتوجسة أو المحافظة أو تلك المتشددة، إلا أن الجيل الجديد أكثر انجذاباً لها، لأنها تمنحه حرية اجتماعية..

مرت خمس سنوات على إطلاق "رؤية المملكة 2030"، وأربعة أعوامٍ على تولي الأمير محمد بن سلمان مقاليد ولاية العهد، وهي الفترة الزمنية التي شهدت العديد من التغييرات البنيوية المهمة في السعودية.

القراءة السطحية، سواء من المؤيدين أو المناوئين، لا يمكنها أن تعطي المراقب فكرة حقيقية عما يجري من تطورات في المملكة، خصوصاً أن جزءا من هذا التبدل غير مرئي، لا يمكن قياسه بالأرقام أو المؤشرات المالية والاقتصادية، إلا أن جزءا منه يتمظهر في السلوك الاجتماعي، والخطاب الثقافي والديني، وأيضاً علاقات المكونات المتنوعة في المجتمع ببعضها البعض.

التحولات لدى جيل الشباب السعودي، مثالٌ حي على التغيرات العميقة في المجتمع.

أثناء وجودي في السعودية، منذ نوفمبر الماضي ولنحو 3 أشهر، التقيت العديد من الشباب من الجنسين، سواء في مدينتي القطيف، أو العاصمة الرياض؛ ووجدت أن هنالك مشتركات فكرية عدة، وهوية وطنية جامعة آخذة في التشكل، تنحى صوب احترام الهويات الفرعية، واعتبار الفروقات الثقافية عنصر ثراء، دون جعل هذه الهويات أقفاصاً تُسجنُ فيها عقول أصحابها!

الشباب في القطيف مثلاً، لاحظت أن العديد منهم مشغولون بعمل مشروعات تجارية جديدة. الكثير من المطاعم والمقاهي والمحلات التي يعتني الشباب بشكلها، أناقتها، جودة الخدمات، نوعية المنتجات، وأيضاً تحولها إلى فضاء تفاعل حقيقي لا يضع حدوداً بين الجنسين، فيما الجميع يتواصل براحة واحترام.

ليست خدمات الأطعمة والأغذية الصغيرة وحدها ما كانت محل تفكير هؤلاء الشباب، بل التوسع في العمل نحو محافظات ومدن عدة، داخل المنطقة الشرقية وخارجها، وهذا يعني أنه لم يعد هنالك حدود مناطقية لتفكير هؤلاء، وأنهم خرجوا من "الغيتو المذهبي" الذي حبسهم فيه المتشددون لسنوات طويلة، وهذا تطور لافت جداً.

هنالك أيضاً، شركات ناشئة صغيرة، في مجالات مختلفة، ومشروعات يشترك فيها شبابٌ سعودي من مدن متنوعة، أي أن العقل الاقتصادي بات يُغلِبُ المصالح التشاركية على العقلية الأقلوية الاستئثارية.

تنمية الذات، التعلم، التدريب، الاهتمام بجودة الجامعات، وأيضاً تطوير مهارات التواصل.. جميعها حقولٌ باتت يوماً بعد آخر جذابة للجيل الجديد في القطيف وبقية مدن المملكة.

سنلمسُ أيضاً تراجعاً كبيراً في الاهتمام بـ"الإسلام السياسي"، والتحرر من سطوته، والاستعاضة عنه بـ"التدين الأخلاقي"؛ أي تلك الممارسات الروحية التي تركز على "جوهر الدين"، بعيداً عن الحزبية والطائفية والعنف الرمزي!

احترام الآخر، الإيمان بحق الناس في الاختلاف، تنوع الأفكار، الحرية الشخصية، قيمٌ مدنية تجدها تتسربُ إلى جسدِ المجتمع، رغم ممانعة بعض الجهات المتوجسة أو المحافظة أو تلك المتشددة، إلا أن الجيل الجديد أكثر انجذاباً لها، لأنها تمنحه حرية اجتماعية، وتجعله أكثر قدرة على التفكير خارج الوصايات الأبوية.

فتياتُ السعودية وشُبانها هم رافعة الإصلاح التي يُعول عليها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهم رأسُ مالٍ حقيقي، قادرٌ على أن يساهم بفاعلية في تحقيق أهداف "رؤية 2030" التي يجدون فيها تجسيداً للكثير من أمنياتهم وطموحهم.