كثفت وسائل الإعلام الكويتي التقليدي منه، والإلكتروني بشكل خاص، توجيه أنظار الإعلام المحلي والعالمي إلى جريمة قتل المواطنة فرح أكبر، وقد يكون تفاعلاً مؤقتاً، إذا ما تراجع اهتمام الإعلام الرسمي قبل غيره بعدم مواصلة تسليط الأضواء والتركيز كما حدث في جرائم مماثلة ومشابهة.

يملك السلاح الإعلامي وحده الدور في حبس الأنفاس أو العكس، حيال المجريات القضائية بشأن قضية القتل المعروفة بـ«جريمة صباح السالم»، التي راحت ضحيتها المواطنة المغدورة فرح أكبر، أو طيّ هذه الصفحة كصفحات عنف شتى تئن منها الكويت منذ زمن.

عم الحزن والذهول على المجتمع الكويتي وغيره بعد جريمة قتل المعلمة والأم #فرح_أكبر، حيث تنادت، نتيجة الزخم الإعلامي، بشكل لافت مؤسسات مدنية ومجاميع أخرى، لتتلاقى عند استنكار عارم لجريمة زلزت وجدان الضمير البشري بسبب طبيعة الجريمة البشعة، باستثناء الحكومة وإعلامها تحديداً!

لم يصدر من الحكومة بيان أو صوت حتى شكلي المظهر، من رئيس الحكومة أو وزير الداخلية أو أي جهة رسمية لتوضيح الموقف والإجراءات القانونية المزمع اتخاذها كالتحقيق الإداري، مثلاً، واكتفت الحكومة بالإجراءات القانونية المعتادة بإحالة القضية إلى النيابة العامة، وهو إجراء روتيني حيال جناية واضحة الأركان.

أخشى أن يتأثر الإعلام المحلي والخارجي بالموقف الحكومي المشلول سياسياً، وبالتالي ينضم التركيز والاهتمام بظاهرة العنف في الكويت إلى ناصية العمل المؤقت وردة الفعل العشوائية، بالرغم من أن ظاهرة العنف باتت تهدد المجتمع ككل وليس جزءاً منه، من دون تغيير حكومي منهجي بفرض هيبة القانون.

شخصياً، نازعتني نفسي بين تقديم واجب العزاء لأسرة الضحية فرح أكبر كواجب إنساني واجتماعي، أو بتأجيله إلى ما بعد صدور حكم قضائي بات، لأن الجريمة الماثلة أمامنا ليست الأولى بتاريخ الكويت ضد النساء تحديداً وكظاهرة عنف دموية متكررة.

فقد وجدت أن حكم القضاء النهائي بالعقاب بحسب التهم الموجهة للجاني حتى لو استلزم وقتاً، سيجعل حكم المحكمة بمنزلة البلسم المداوي لقلوب أسرة الضحية والجميع، فالشعور بالأمن والأمان مفقود بعد ضياع هيبة القانون، ولعل حكم المحكمة سيساعد على استرجاعه، للشعور باطمئنان نفسي واجتماعي.

سيطر على ذهني الخجل الأدبي والنفسي من تقديم العزاء لأسرة الضحية فرح أكبر، لأنها ليست الجريمة الأولى تاريخياً بطبيعتها وأبعادها، فثمة عدد هائل من الجرائم الشنيعة، التي كشفت مراراً عن تواضع الإجراءات القانونية والإدارية وثغرات تشريعية وعدم تدارك الجهات الرسمية لكل ذلك، وقد يبقى الحال كما هو عليه تاريخياً.

فمن غير المعقول الاكتفاء بتقديم واجب العزاء والمواساة لأسرة فرح كبر، بينما ربما هناك أطراف أخرى تتحمل مسؤولية الجريمة التي أدت إلى وقوعها من حيث التقاعس بحماية الضحية مسبقاً، من دون حساب وعقاب إداري رسمي!

فالدول والأنظمة ينبغي ألا تشيخ، بل يجب أن تتطور ضمن الأطر الدستورية والسياسية في قراءة واستيعاب الاحتياجات والمتطلبات القانونية والتشريعية، لذا يصبح مهماً للغاية أن يعاد النظر في كل العوامل ذات الصلة بظاهرة العنف واستئساد الكثير وليس البعض، على كسر القانون والتحدي السافر له، فالخطر الداهم أصبح حولنا ويهدد كيان أسر بأكملها.

من المحزن والمؤلم للغاية أن تتحول الكويت، الدولة ذات النظام الديموقراطي الدستوري، إلى موطن الندامة والحسرة، بسبب حجم هيمنة مارد الفساد المتفشي بمفاصل الدولة من جهة، وعدم شعور المواطن والمقيم على حد سواء بقيمة الأمن والأمان في البلد من جهة أخرى.

إن بقاء القصور بالتشريعات وتواضع الإجراءات القانونية والإدارية الحكومية وغياب البيئة الأمنية النفسية والاجتماعية الملائمة لتلقي البلاغات من النساء تحديداً بمراكز الشرطة، ينذر كل ذلك بولادة ظاهرة الانتقام الفردي والجماعي في المجتمع، وسيادة لقانون الغاب.

يتوجب على الحكومة تبني مبادرة غير مسبوقة إعلامياً في تغطية ومتابعة تطورات جريمة صباح السالم، حتى يصاحب عيد الفطر بريق أمل بالحكومة نحو التغيير فعلاً وعملاً بالتصدي للعنف في الكويت كمحور حديث وإضافي لرؤية الحكومة، لعل يساعد ذلك على ترميم الصورة الهزيلة لحكومة ولدت عليلة للمرة الثالثة.