تكاد حال الانشداد التي سادت وتسود الوضع الميداني على #الحدود الجنوبية في أيام المواجهات الشرسة والمدمرة بين إسرائيل وقطاع غزة تختصر بطريقة اشد دراماتيكية سائر أحوال اللبنانيين الذين عبثا يسألون متى تصبح لديهم سلطة ودولة. ممل هذا النغم بطبيعة الحال كلما هبت ريح تطور من داخل او خارج من شأنه ان يهز لبنان. ولكن ما يحصل في المواجهات الفلسطينية الإسرائيلية الجارية ليس امرا يمكن إغماض العيون حياله فيما تمر كل أيام المواجهة ولا يشعر اللبنانيون ان في لبنان سلطة يقظة تستشعر وتحسب وتبادر لابقاء لبنان في منأى عن أي انزلاق قاتل نحو متاهة من شأنها ان تودي به هذه المرة الى ذاك الجحيم الناجز. اذا كان من إيجابية واحدة في هذا الافتقاد الى وجود حكومة فاعلة بكل المعايير وسلطة جدية بكل المقاييس ودولة مهابة بالحدود الدنيا فهي ان قرار تمرير العاصفة عن لبنان بدا متخذا ضمن تقاطعات خارجية وداخلية من دون “تربيح جميل” من احد للبنانيين.
واذا كانت الإضاءة على وضع الترقب الذي ساد الجانب اللبناني خلال المواجهات الفلسطينية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة تستأهل في قابل الأيام بلورة واسعة، فان المفارقة الشديدة القسوة أيضا تتمثل في ان اللبنانيين لا يملكون ترف الوقت لانتظار مآل هذه المواجهة وتداعياتها وشظاياها ودلالاتها في ما يعني اللبنانيين منها لان تزاحم الكوارث الضاغطة على رؤوسهم شكل ويشكل الفارق الهائل كله بين ازمنة ذهبت وزمن حل.
نقول ذلك بالمقارنة بين حرب تموز 2006 التي اندلعت على نار حرب مماثلة بين إسرائيل وغزة والمواجهات الحالية التي اثارت الخشية الكبرى لدى اللبنانيين من استعادة مخيفة لتلك التجربة فيما لبنان يرزح تحت انهياراته الدراماتيكية.
ولكن الانهيارات لن تكون وحدها الصورة الأسوأ حيال مجريات تعرض لبنان لاستحقاق آخر في وقت مشؤوم جدا، وفي اطار الصراع مع إسرائيل سواء عبر ارضه او عبر الحدود، بل الأسوأ الا يجد اللبنانيون الإدارة السياسية المؤهلة والقادرة في الحد الأدنى على الإيحاء للبنانيين أولا والمجتمع الدولي تاليا بقدرة لبنان على البقاء والصمود والوقوف على رجليه ومنع توريطه في مجهول معلوم يستحيل تصور حجم خطره المدمر هذه المرة.
تكاد تسمع في الأيام الأخيرة السؤال “اللبناني” نفسه يتردد على السنة جميع اللبنانيين بلا ارتباطات وتبعيات وانقسامات تقليدية : ترى متى الدولة عندنا؟ واياكم والظن ان الموضوع يتصل بالخوف من حرب جديدة تطحن بقايا البقايا في لبنان، وانما هو مرتبط أولا وأخيرا بالدمار الداخلي الشامل الذي يتعرض له امن اللبنانيين الاجتماعي والمعيشي والخدماتي والصحي والاقتصادي والذي اين منه خطر أسوأ الحروب العسكرية والميدانية.
والحال انه لم يمر في تاريخ الازمات في لبنان في الحرب او السلم قصور اوتواطؤ او عجز او تآمر او استسلام او غباء، او كل هذه مجتمعة دفعة واحدة لدى أي معني بالشأن العام السياسي والمصيري كما يمر هذا حاليا. تمر ظروف مخيفة كالمواجهة الأخيرة من دون اهتزاز لبنان هذه المرة فهو امر جيد. ولكن المذهل ان يتطبع الناس مع مرور عواصف الخطر كهذه وكأن لا دولة تقدم او تؤخر في ما كتب للبنان من مصير!
التعليقات