يصرّ الرئيس الأميركي جو بايدن على توفير الحماية الديبلوماسية، كما العسكرية، لإسرائيل حتى الثانية الأخيرة من ولايته التي تنتهي ظهر يوم 20 كانون الثاني (يناير) المقبل. والأربعاء، استخدمت واشنطن للمرّة الرابعة حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن ضدّ مشروع قرار أيّده الأعضاء الـ14 الآخرون في المجلس، ويطالب "بوقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار، يجب أن تحترمه كل الأطراف" و"الإفراج الفوري وغير المشروط عن كل الرهائن". ما الذريعة التي استخدمتها واشنطن للفيتو؟ يقول نائب المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة روبرت وود، إنه "يجب أن يكون هناك ترابط بين وقف النار والإفراج عن الرهائن، هذا هو موقفنا المبدئي منذ البداية ولم يتغير". وفي منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، خلص تقويم أجرته وزارتا الخارجية والدفاع الأميركيتان، إلى أن ليس ثمة أدلة لدى الولايات المتحدة على انتهاك إسرائيل للقانون الدولي الإنساني في حربها على قطاع غزة. كان وزير الخارجية أنطوني بلينكن ووزير الدفاع بعثا برسالتين إلى نظيريهما الإسرائيليين، يطالبان فيها بزيادة إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وإلّا ستجد الإدارة الأميركية نفسها ملزمة بمراجعة مدى التزام إسرائيل القانون الدولي الإنساني وما سيتبع ذلك من تقييد لمبيعات الأسلحة للدولة العبرية. بعد أيام من التقويم الأميركي، خلصت لجنة خاصة تابعة للأمم المتحدة في تقرير لها، إلى أن إسرائيل "تتسبب عمداً في الموت والتجويع والإصابات الخطيرة" في غزة، متهمة إياها باستخدام "التجويع كأسلوب من أساليب الحرب وفرض عقاب جماعي على الفلسطينيين". وسارعت وزارة الخارجية الأميركية إلى التعليق على تقرير اللجنة، بالقول: "هذا أمر نختلف معه بشكل لا لبس فيه"، مضيفة: "نعتقد أن صياغات كهذه واتهامات كهذه لا أساس لها بالتأكيد". ولم تكتف الوزارة برفض التقرير الأممي، بل ندّدت أيضاً بتقرير لمنظمة "هيومان رايتس ووتش"، اعتبرت فيه أن أوامر الإخلاء الإسرائيلية في قطاع غزة ترقى إلى "جريمة حرب" تتمثل في "تهجير قسري" في مناطق وفي مناطق أخرى إلى "تطهير عرقي". وعلى عكس رأي إدارة بايدن، أكد السيناتور الأميركي المستقل بيرني ساندرز، الذي تقدم بمشروع قرار في مجلس الشيوخ، لحجب المساعدات العسكرية عن إسرائيل، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "انتهك القانون الدولي والأميركي وحقوق الإنسان وعرقل المساعدات إلى غزة". وأصدق تعبير عن الواقع هو الكلام الذي قاله الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، في آخر اجتماع يترأسه لوزراء الخارجية للاتحاد في بروكسل بعد انتهاء ولايته: "هناك نحو 44 ألف قتيل في غزة و70 في المئة من هؤلاء القتلى نساء وأطفال"، مضيفاً: "حين ننظر إلى أعمارهم، فهم في غالب الأحيان أطفال دون التاسعة من العمر... لم يعد هناك كلام، استنفدت كل الكلام لشرح ما يجري في الشرق الأوسط". وتتطابق الإحصاءات التي أوردها بوريل مع تلك الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، هذا فضلاً عن تدمير 60 في المئة من المنازل والقضاء على 90 في المئة من القطاع الصحي. وتفيد التقارير التي ترد في الصحافة الغربية، أن ثمة 75 ألف مدني فلسطيني لا يزالون في منطقة عمليات الجيش الإسرائيلي في جباليا، وأن هؤلاء محرومون منذ 40 يوماً من أية إمدادات غذائية. ماذا تعني الإبادة في التعريف الأميركي، وكم يجب أن يُقتل من الفلسطينيين حتى تعترف الولايات المتحدة بوجود إبادة بحق الفلسطينيين في غزة؟ إن بايدن يقفل رئاسته على إرث سياسي ثقيل، سيبقى التاريخ يتذكره أنه كان الرئيس الأميركي الذي حمى الإبادة باسم التزامه "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس".